د.محمد بن سعد الشويعر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هو ما سوف نبدأ به كلامنا، لأن الشيطان يشترك في كثير من الأعمال الإنسية، وذلك لطمعه فيه، ولا يرغب أن تطيع الله، وأن يدخلك الجنة.
قال ابن الجوزي: قال بعض السلف رأيت الشيطان فقال لي قد كنت ألقى الناس فأعلمهم فصرت ألقاهم فأتعلم منهم.
وقال الحسن البصري: قرأت في تسعين موضعاً من القرآن أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}، فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعاً وصدقنا قول الكاذب في موضع واحد.
فمن هديه صلى الله عليه وسلم أنه قدوة لأمته في كل أمر نافع: قولاً وعملاً، ومرشدهم لما فيه سعادتهم، وخيرهم في أمور حياتهم، وفي تنظيم معاشهم واستقامة أحوالهم.
والبشرية هي محور التوجيه والإرشاد، والسيطرة على انفعالاتها والمحافظة على استقامتها وسلامتها، ولذا كان الدعاء من أقوى الركائز لتهدئة هذه النفس واطمئنانها وإزاحة المخاوف عنها.
وإذا كان الإنس لا يرون الشيطان الذي تخفى على بني آدم رؤيته في الدنيا فله أعوان من شياطين الإنس، كما قال سبحانه: {إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (27) سورة الأعراف.
ولذا فإن الأدعية الكثيرة التي علمها رسول الله أمته هي أقوى سلاح، يشهره المؤمن في وجه عدوه «الشيطان الرجيم» الذي نذر نفسه بإغواء بني آدم، وصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، حتى لا يكونوا شاكرين لنعمة الله معترفين بفضله سبحانه.
كما أن الأدعية لها أهمية كبيرة يغفل عن إدراكها كثير من البشر مما يدعو للتأمل والعناية.
فهي تحجب الجن عن عورات بني آدم، إذا دخل أحدهم الخلاء، كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم، إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله. أخرجه الترمذي.
لأن بيوت الخلاء هي مساكن الشياطين، كما روى زيد بن أرقم رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث) أخرجه أبو داود.
كما أن هذه الأدعية تقوي الإيمان بالله أولاً ثم النفس، وتجعل للمؤمن حجاباً يمنعه من الشيطان؛ لأنها تطرده وتصده «بأمر الله» لأن هذا العدو نذر نفسه حقداً منه بأن يغوي ذرية بني آدم إلا قليلاً منهم، وهم من حماهم الله بقوة الإيمان والتمسك بشرعه بما علمنا به خير البشرية صلى الله عليه وسلم، من كيد الشيطان ومكره، وما أخذه على نفسه، أن يجلس لبني آدم بالمرصاد «من بين أيديهم ومن خلفهم» ولا يجد الله جل وعلا أكثر ذريته شاكرين، وهي حكمة إلهية قضاها الله في الأزل بأن يتصارع الخير والشر.
فحكمة الله أن يخرج من أصلاب بني آدم ذريته، وأشهدهم على أنفسهم بهذا، أنه ربهم وخالقهم، فاجتالهم الشيطان بالمغريات والملذات فوعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.
فعالم الجن الذي يحوطه الخفاء كعالم الشياطين والجن غير المحسوس إلا ما يأتي في مثل هذه الأدعية التي تحمي منهم، وأنهم أرواح وأنهم أمة سكنت الأرض قبل بني آدم وأفسدوا فيها، كما جاء إشارة لذلك في سورة البقرة عند أمر الله لهم بزعامة إبليس، أن يسجدوا لآدم فامتنع إبليس عن السجود تكبراً، وأن الله أنزل في القرآن سورة عنهم وعمن أسلم منهم.
وتعلم أخي القارئ أن أول جريمة قتل على وجه الأرض بين أخوين من بني آدم، (قابيل وهابيل) وأن من تسبب في خروج سيدنا (آدم وأمنا حواء) من الجنة، ونزولهم للأرض، إلا لسماع وساوس الشيطان.
وما روي في بعض الكتب عنهم وتلبس بعض المردة بحالات قد يصدق بعضها وقد يشك في الأخبار لكن الذين أسلموا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حق وصدق، فكان يعلمهم أمور دينهم، وجاءت أخبار عن عبد الله بن مسعود الذي كان يذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع شرق مكة يعرف حتى الآن باسم مسجد الجن: فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولهم حكايات في بعض كتب التاريخ.
فالشياطين هم مردة عالم الجن الذين يغوون عباد الله، فنعوذ بالله منهم ومن شر الشيطان وكيده.