د. خالد محمد باطرفي
أعدمت إيران مؤخرًا عشرين داعية كردياً من أهل السنة، دفعة واحدة. وحسب الأمير زيد بن رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن المحاكمة لم تكن عادلة، ولم تتبع المعايير القانونية المتعارف عليها. وأن توجيه اتهامات جنائية فضفاضة ومبهمة إلى جانب ازدراء حقوق المتهم في الإجراءات اللازمة والمحاكمة النزيهة، أسفر عن ظلم بيّن. كما أن بعض المحكوم عليهم، مثل شاهرام أحمدي، أجبروا على توقيع الاعترافات «على بياض».
وفي مارس 2016، رفع المقرر الخاص الأممي المعني بحقوق الإنسان في إيران تقريرًا أكد فيه إعدام قرابة 1000 حالة في 2015، وهو أعلى رقم منذ ربع قرن، ويزيد عن رقم العام الأسبق (700)، أي بزيادة 40 %. وبذلك فإن النظام الإيراني احتل، للعام الثاني على التوالي، المرتبة الأولى في الإعدامات عالمياً (حسب نسبة السكان)، قبل الصين.
ولاحظ التقرير الذي صدر في 25 صفحة، أن التهم «الفضفاضة» كـ (الإساءة إلى الذات الآلهية) و(إشاعة الفاحشة) و(الدعاية ضد الدولة) و(التخابر الأجنبي) لا يتم تدعيمها بحيثيات وأدلة جنائية، والمحاكمات غير علنية، وكثيراً ما تكون جماعية، وسريعة، أو غيابية، ولا يسمح فيها بتوكيل محامٍ.
ويذكر التقرير الأممي أن معظم الذين يتم إعدامهم يتعرضون قبلها للتعذيب وتحقير دينهم وعنصرهم، حيث ينتمي أكثرهم إلى أثنيات عربية وكردية وبلوشيه وتركية، ومنهم نساء وأطفال، وأغلبهم من السنة.
الجدير بالذكر، أن ما سبق تم خلال حكم الرئيس حسن روحاني، الذي فاز بانتخابات الرئاسة عام 2013 على قائمة الاعتدال، وبوعود قطعها على نفسه بحماية الأقليات خاصة من العرب والأكراد والسنة، أسوة باليهود والنصارى والمجوس.
هذا في الوقت الذي زادت حدة انتقادات إيران لدول الخليج وخاصة بعد إعدام نمر باقر النمر بتهمة الإرهاب والتحريض على الاعتداء على رجال الأمن وتشكيل خلايا إرهابية والدعوة لخلع البيعة لولاة الأمر وتقسيم البلاد وضم أجزاء منها إلى دولة أجنبية بالتآمر معها. ثم بعد إصدار أحكام بالإعدام على كويتيين وسحب الجنسية من بحريني بتهم مماثلة أو مقاربة. رغم أن المحاكمات كانت قانونية وعلنية وحصل المتهمون على معاملة حقوقية وإنسانية عادلة.
وتجاوزت الانتقادات التنديد الخطابي والتحريض الطائفي، إلى التهديد بالاعتداء والعمل على قلب أنظمة الحكم. ومن ذلك حرق ونهب الممثليات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، رغم الحصانة الدولية لها. ثم مسرحية القبض على 48 متهماً، واستدعاء 21 منهماً للمحكمة، ومحاكمة 14 فقط، ثم العفو عنهم، لأنهم أثبتوا أن الدعوة للتظاهر جاءت من الحرس الثوري، وبتحريض من ملالي تابعين للمرشد الأعلى، وتراخي الأمن.
والعالم اليوم، الملتظي بالفتن الطائفية، وأنشطة الإرهاب والمرتزقة والمخدرات وغسل الأموال وتجارة السلاح الإيرانية، مطالب بمعاقبة نظام الملالي ومحاصرته سياسياً واقتصادياً.
وقد يحسب الرئيس الأمريكي أنه يحمي بلاده بالتزلف لحكومة إيران والخضوع لمطالبها، بتقديمه أربعمئة مليون دولار فدية لرهائنها، ولكنه ينسى أو يتناسى دروس الماضي، كفضيحة إيران كونترا، عندما هرب الرئيس ريجان السلاح لها عبر إسرائيل مقابل إطلاق رهائن يحتجزهم حزب الله، وأوباما بذلك يخالف النظام الأمريكي بعدم التجاوب مع الإرهابيين، لما في ذلك من تشجيع لهم.
التاريخ يعاقب الذي يكررون أخطاءهم لأنهم لا يحفظون دروسه، ويتجاهلون عبره. والتخاذل والصمت شراكة. والنار التي بلغت أطراف العالم البعيدة وقلاعه الحصينة، ستحرقه حتماً إن لم يواجه المجرمين بحزم وعزم.. قبل فوات الأوان!