علي الخزيم
هي ليلة عرس وفرح ليلة من ليالي العمر البهيجة، يفترض أن لا يشوبها أي كدر، غير أن عادات لا زال البعض متمسكاً بها بطريقة تبدو أحياناً فَجّة؛ بل تحولت إلى ما يشبه المداينة والمقايضة، فيشاهد العريس ليلة عرسه واقفاً لاستقبال المهنئين فيتقدم أفراد من الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل يحملون بأيديهم مظاريف صغيرة بداخلها نقود وأحياناً من باب التأكيد للحضور تكون مكشوفة بدون ظرف إمعاناً ببلوغ الهدف المنشود من تقديم الهدية أو قل (العانية)؛ وهي ما يقدمه الإنسان للعريس من معونة على تكاليف الزواج، والحديث هنا عن النقود أما الخراف والجمال فتلك سيرة أخرى، وأمسى الأمر على ما يبدو مساوياً للقرض، بمعنى أن كل من أهديته أو عاونته في مناسبة زواجه لا بد أن يأتيك لرد الدين والجميل، وكثيرون يخشون الملامة بالتقصير فيحرصون على حضور المناسبة السعيدة لمجرد تقديم الدين (العانية) يحضرون مجبرين أحياناً حتى لو كان لديهم ارتباطات مُسبقة، لكنهم خوفاً من النقد يقفون مع أول المهنئين وبعد تقديم (المقسوم) وَرَدّ الدين ينصرفون إلى شانهم حالاً، إذاً فحضور(بعضهم) لم يكن بدافع من المحبة والتقدير، بقدر ما هو لتقديم الواجب المادي منعاً للتفسيرات اللاحقة التي قد يترتب عليها تفكك بالعلاقات وتنافر بالقلوب، مع أني أرى أن العلاقة المبنية على هذه القاعدة الهشَّة من الموروثات الغابرة هي علاقة مهلهلة وغير متماسكة وتفتقد إلى معايير الترابط وسياجات المحبة الصادقة.
ليس من حقي الاعتراض على تقديم العون للعريس المقبل على حياة زوجية وتكوين منزل وأسرة، وليس من العيب رد الهدية والعانية لمن سبق أن أهدانا، لكن على أن تكون بطرق وأساليب أكثر وعياً وتحضراً، وهنا يجب التفريق بين الهدية و(العانية)؛ فالأولى تكون للعريس المحتاج وغيره، والثانية لا تكون إلا لعريس يمر بظروف مادية تستدعي معونته والوقوف بجانبه، فإذا كان الأمر كذلك فيجب أن تتم بأسلوب مهذب دون إشهاد خلق الله عليه، فنشاهد من يرفع صوته في قاعة الاحتفال ويطلب من الحضور الإنصات ثم يُعلِن أنه يقدم للعريس عونا مادياً وكأنه بذلك يُذلّه بأعطيته أمام الجميع ويشهدهم على هذا الإذلال! فإذا أراد الإنسان أن يُهدي أخاه هدية فليتحرى أفضل الأوقات والأماكن حتى تصبح أوقع في النفس.
والأصوب أن لا تتغلغل هذه الأفكار إلى نفوسنا وتنغرس كواجبات لا يمكن الإخلال بها، فواقع الحال يؤكد ذلك، وهي وإن كانت من السلوكيات المحببة لدى شرائح اجتماعية بداعي زيادة الترابط إلا أنها قد تبدو مرهقة لشرائح غيرها، حدثني صديق قال: قابلني شيخ مُسن من أهل الحي قبل زواجي بأيام وطلب نقوداً على صيغة السُّلفة، وحينما قدمتها له أعادها لي بالحال، وقال: هذه عانية زواجك، وسوف أرد السلف حال توفر المبلغ فإني والله لا أملك ما أقدمه لك فاعذرني!
التهادي والتعاون بين الأقارب والأصدقاء مما يقرب القلوب ويُصَفّي الأنفس، غير أن الأفضل هو تطوير العملية سلوكياً والوصول بها إلى أُطُرٍ أرقى وأرق.