د. محمد عبدالله العوين
أصدر مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت الاثنين الماضي الخامس من ذي القعدة 1437هـ عددا من القرارات في جوانب عديدة تصب جميعها في صالح الوطن.
ولن تفي هذه الزاوية بمناقشة كل القرارات المهمة التي أصدرها المجلس، وهي في مجملها تنضوي تحت مبادرات الإيرادات غير النفطية لميزانية الدولة بناء على ما رفعته وزارتا المالية والاقتصاد والتخطيط؛ كرسوم التأشيرات، وتعريفة الطيران المدني، والمخالفات المرورية، والخدمات البلدية ؛ ولكنني سأكتفي بتقديم رؤية حول رسوم التأشيرات للعمل أو الزيارة، وقضية المخالفات المرورية المتعددة، ومن أهمها وأكثرها خطراً على حياة الناس»التفحيط» الذي عرفه المجلس بأنه «مخالفة مرورية» وفرض لها ثلاث عقوبات تطبق معا: مالية وحجز مركبة وعرض المخالف على المحكمة لتقرر مدة سجنه؛ وتبدأ مخالفة التفحيط للمرة الأولى بغرامة مالية مقدارها عشرون ألف ريال وحجز المركبة خمسة عشر يوما وعرضه على المحكمة، والمخالفة للمرة الثانية أربعون ألف ريال وحجز المركبة لمدة شهر وعرضه على المحكمة، والمخالفة للمرة الثالثة ستون ألف ريال وحجز المركبة وإحالته إلى المحكمة التي قد تحكم بمصادرة المركبة أو تغريمه بدفع قيمة المثل للمركبة المستأجرة أو المسروقة وسجنه.
كل الدول التي نزورها تأخذ منا مبلغا من المال قل أو كثر للحصول على فيزة الزيارة، وتختلف قيمة الفيزة حسب نوعها ومدتها، ونحن يفد إلى بلادنا ملايين القادمين للعمل أو الزيارة، وللحج أو العمرة، وقد أعفت الدولة من قدم للحج أو العمرة للمرة الأولى باعتبارها أداء للفريضة، وهؤلاء القادمون للعمل في المملكة على اختلاف مستوياتهم العلمية والمهنية يصدرون إلى بلدانهم أموالا تختلف من حيث الكثرة والقلة بنوع اختصاصاتهم وخبراتهم وشهاداتهم العلمية؛ ولكن نسبة ليست بالقلية منهم ترسل ملايين الريالات إلى بلدانهم دون أن تكسب دولتنا منهم ريالا واحدا مقابل تلك التحويلات الضخمة من الأموال، وبخاصة أن بعضهم يعمل في التجارة أو العقار أو البناء أو المقاولات أو الطب ونحوها من المهن التي تدر الملايين، فكأن العمالة الوافدة نحل يمتص الرحيق من بلادنا ويصبه عسلا خالصا في بلدانهم دون أن تستفيد بلادنا شيئا مما كسبوه وقد أتاحت لهم فرص الكسب ومزاولة مهن كثيرة متعددة دون قيود أو ضغوط إدارية أو أمنية ويسرت لهم إمكانية القدوم والتعاقد مع الشركات والمؤسسات والأفراد.
كم يكسب الأطباء والمهندسون والمقاولون غير السعوديين - على سبيل المثال لا الحصر - من مزاولة مهنهم دون أن تفرض رسوم على تحويلاتهم الضخمة إلى بلدانهم؟!
مع أن الرسم الذي يحصل للقدوم للعمل ليس كبيرا ولا ثقيلا، وبخاصة على الفئات التي أشرت إليها آنفا؛ ولكنه قد يكون ثقيلا على طبقة «العمال» أما أصحاب الشركات والمقاولات والمهن العالية فلن يسألوا البتة عن هذا الرسم.
أما وقد تنبه مجلس الوزراء إلى خطر «التفحيط» وسن على المفحط العقوبات الرادعة؛ فهو إجراء ينتظره جميع المواطنين والمقيمين؛ فكم ذهب ضحية تهور المفحطين من الأرواح البريئة، وكم خسرنا بسبب طيش وتهور وحماقة بعض الشباب من أبنائنا؛ إلا أن اعتبار التفحيط مخالفة مرورية فقط دون النظر إلى أنها قد تؤدي إلى ارتكاب جريمة جنائية فيه مساواة للتفحيط بأية مخالفة مرورية أخرى، والحق أن ثمة نوعين من المخالفات المرورية لا تتساوى أو تتماثل مع غيرهما من المخالفات الأخرى؛ وهما: قطع الإشارة المرورية والتفحيط.
كنت أتمنى لو أن القانوني الذي صاغ العبارة أضاف إليها «مخالفة مرورية جنائية» فهي في النهاية قد تقتل إما المفحط ومن معه أو من يشاهده أو من يعبر الطريق. ربما لا تقتل في كل الحالات؛ إلا أنها طريق إلى موت محقق، فإن لم يحدث في الأولى سيحدث في الثانية أو الثالثة.
والأهم من إصدار التشريعات المرورية الحزم في تطبيقها، ولن تكون المتابعة لمرتكبي هذه المخالفة القاتلة إلا بزيادة الطاقة البشرية العاملة في الميدان من رجال المرور العلني أو السري، وفي الفترة الأخيرة أصبحت رؤية رجل المرور في الميدان مناسبة سعيدة، وكأن إدارة المرور اكتفت بالرقابة الالكترونية كساهر.
لا بد أن تعود لرجل المرور هيبته وحضوره وانتشاره، كما كان الأمر قديما، ليس لدينا نقص في الرجال؛ بل النقص في الوظائف كما يبدو، وكم من الشباب يتمنى أن يلتحق بهذا القطاع الوطني الأمني المهم، وإن صدور قرارات حازمة وجيدة كتعديل المخالفات المرورية الذي أصدره مجلس الوزراء الموقر دون توفر القدر الكافي من الطاقة البشرية والدوريات المرورية التي تسيطر على كل المدن الكبيرة الشاسعة؛ كالرياض أو جدة أو الدمام ونحوها؛ لن يكون له كبير أثر.