د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
تابع الإرادة المجتمعية
1- الاقتصاد المنتج لا يزدهر بدون المواطن، فهو شريك في العمل وفي التمويل. في العمل وضّحت الرؤية ما هو المطلوب: (بذل الجهد والانضباط واكتساب المهارات والاستفادة منها)، وهذا يتطلب تحوّل المجتمع عن نظرته للعمل بمنظار التقاليد والراحة واختزال قيمته في الاتكال على الوظيفة إلى ثقافة العمل المنتج كقيمة اجتماعية واحترام أخلاقياته بالتزام بذل الجهد والانضباط وإتقان العمل والشعور بأمانة المسؤولية. أما شراكة المواطن في التمويل فلا تأتي فقط من الإقبال على شراء المنتج الوطني سلعة أو خدمة، بل أيضاً من التحول من نَمط المستهلِك النهم إلى نمط المدّخر الحكيم الذى يسهم بما يدّخره بقليل أو كثير في دوران عجلة الاقتصاد المنتج، فالرؤية تهدف إلى رفع نسبة مدخرات الأسر من (6%) حالياً إلى (10%) عام (2030) من إجماليّ دخلها -علماً أن عدد الأسر التي تستطيع الادخار سيزداد مع تحسّن الدخل.
كيف يمكن تهيئة المجتمع لثقافة العمل والادخار؟ هل بالقدوة، أم الإرشاد، أم التعليم، أم المزايا، أم الأنظمة؟ بل بذلك كلّه.
2- دور المجتمع المدني الذي يزاول أنشطة منظمة ذات نفع عام وذات أشكال تنظيمية متعدّدة كالجمعيات واللجان والصناديق والهيئات والأوقاف، وهي غير رسمية وغير هادفة للربح وتموّل أنشطتها من خارج ميزانية الدولة -غالباً- في مجالات متعدّدة مهنية أو علمية أو تعاونية أو خيرة، وتعتمد فعالياتها على جهود متبرّعين ومتطوّعين، وتؤدي دوراً اجتماعياً فعّالاً يغطي قطاعات سكانية عريضة أو شرائح اجتماعية معيّنة ويتكامل مع أدوار القطاع الحكومي والخاص. ولكنه وفقاً للرؤية لا يزال ضعيفاً حيث إن نسبة مشاريع القطاع غير الربحي ذات الأثر الاجتماعي أو التي تتواءم مع أهداف التنمية الوطنية (7%)، وهدف الرؤية هو رفعها إلى (33%)، وأما نسبة المساهمة في الناتج المحلي فهي أقل من (1%) والهدف هو (5%). وتهدف الرؤية أيضاً إلى نشر ثقافة التطوع والوصول بعدد المتطوّعين إلى مليون متطوع. ومع أن الرؤية قد التزمت بدعم المجتمع المدني وخاصة من حيث تأطير التنظيم المؤسّسي والتدريب والتقنية، وهذا عامل مهم، إلا أن ما يجذب المجتمع للتفاعل والمبادرة هو إبراز العامل الأخلاقي والديني والعاطفي من خلال التوعية المنبرية والإعلامية وتفعيل العلاقات الاجتماعية وزرع الثقة والاقتناع بالجدوى بإبراز النماذج الناجحة والاعتراف الرسمي بدور القطاع غير الربحي ومساءلته وفق ما مُنح من ترخيص ونشر المعلومات الدقيقة عن نتائج نشاطاته.
3- العناية بما يقوّى الجسم (أنشطة رياضية) وما يريح النفس (الترفيه) وما يغذّى الفكر (أنشطة ثقافية) هي من مصلحة الفرد والمجتمع لأنها تعين الفرد في تقوية ذاته وتنمية قدراته وتحمّله للمسؤولية في بناء المجتمع الحيوي الذى يحتل المرتبة الأولى من محاور الرؤية الثلاثة. وقد نوّهت الرؤية بأهمية مشاركة أفراد المجتمع في هذه الأنشطة، والتزمت بتهيئة بنيتها التحتية، أما من يقيم الأنشطة ذاتها ويديرها فهي غالباً مؤسسات خاصة أو المجتمع المدني أو المؤسسات التعليمية والثقافية. ولا شك أنه ممّا يشجع على المبادرة بإقامة تلك الأنشطة أن تكون جاذبة لأفراد المجتمع -صغاراً وكباراً نساء ورجالاً- بجعلها مفتوحة ميسّرة في الوصول لها من حيث الوقت والمكان وحفظها مما يعيق المشاركة فيها أو يُقْدِم على مضايقتها.
4- اقتصاد المعرفة لم يخصص له برامج محددة في الرؤية على الرغم من اتخاذه مكان الأولوية في تقدّم الأمم في عصرنا الراهن، إلا أن أكثر من جانب حظي بالذكر مثل تنمية البنية التحتية الرقمية وتوسيع نطاق الخدمات الإلكترونية، وتطوير المنظومة التعليمية ورعاية الموهوبين وابتكاراتهم وهواياتهم. ومن المعلوم أن التعامل مع هذه الجوانب تعامل ذهني يتطلّب القدرة المعرفية التي تنشأ منذ الصغر وتحتاج للموالاة والرعاية من الأسرة ومحيط المجتمع والمدرسة.
5- الاكتشافات والبحوث لم يُذكر دورها في تحقيق رؤية ترنو إلى أن تكون المملكة دولة كبرى وفي مقدّمة دول العالم. لأداء هذا الدور لا تكفي المطالبة بتمويل البحوث، بل لا بدّ من توطين العلم والفكر وإنتاج البحوث المؤثرة في المجتمع. فقد شهدت الأعوام الأخيرة نموّاً قويّاً في الأبحاث بالمملكة جعلها ثاني أعلى ناتج من الأبحاث بغرب آسيا - كما جاء في مؤشّر مجلة (Nature) عام 2016. لكن هذا النموّ -كما قال مؤسّس المؤشر- (يعود في جزء كبير إلى التعاون الدولي؛ والتحدى الذي يواجه المملكة الآن هو بناء تعاون داخلي بين مؤسساتها لكي تستفيد من طاقاتها بالكامل). وهذه من المهام الكبرى لجامعاتنا. لكن الواقع الأكاديمي - كما تقول الكاتبة ماجده السويّح (الجزيرة 13-10-1437هـ) -( يشهد ندرة الباحثين المؤثّرين في المجتمع لأسباب منها الفجوة بين الإنتاج العلمي وواقع المجتمع، ويعزّز هذه الفجوة البعد عن ممارسة المهنة، ونشر نتائج الأبحاث بلغة علمية متخصصة لا تحظى بالإقبال). لا بدّ إذن من تكوين كوادر العلماء والباحثين ورعايتهم وتوفير البيئة البحثية المحفّزة لهم، ومن ذلك توفير مصادر المعلومات والوقت الكافي والتقدير الأكاديمي والاهتمام بالدراسات التطبيقية والاجتماعية والتكامل مع المراكز البحثية وحماية البحوث من تأثير العوائق المالية والبيروقراطية، وإلى جانب ذلك تشجيع البحوث التعاقدية مع القطاع العام والخاص وتحفيز الجمعيات العلمية للقيام بما تحتاجه المؤسسات في القطاعين من أبحاث أو استشارات. ومن غير ذلك سنستمرّ في اعتمادنا وإنفاقنا على الاستشاريين وبيوت الخبرة من الخارج- كما هو الحال الآن.