د. محمد عبدالله العوين
في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي وبتاريخ 5 من ذي القعدة 1437هـ استطاعت وزارة الداخلية - مشكورة - استعادة ثلاث شقيقات من مطار بيروت ومعهن سبعة من أبناء اثنتين منهن بعد بلاغ من زوج إحداهن.
خبر مفزع والله؛ رغم نجاح رجال الأمن - وفقهم الله - في إحباط رمي هؤلاء النسوة وأطفالهن في حرائق الفتن ومآسي الذبح والنحر وانتهاك الحرمات والسبي والتدمير والخراب باسم «الجهاد» المدعى من قيادات استخباراتية على رأس التنظيم الإرهابي «داعش» كلفت بتأسيس التنظيم على هذا فكر تكفيري ضال لتشويه الإسلام وتسويغ الحملات العسكرية على بلدان العرب والمسلمين؛ بحجة حماية الإنسانية من خطر الإرهاب الذي تعمد التنظيم الإرهابي وصوله إلى بلدان العالم كافة لمزيد من التحريض على تدمير العرب والمسلمين وتخريب ديارهم وتفتيتهم ووأد أية بوادر لنهضتهم أو عودة قوتهم.
إنه فكر صهيوني يميني مسيحي متطرف معجون برغبات وبأطماع فارسية صفوية حاقدة منتقمة وَجَد هذا الفكر أن العرب والمسلمين لا يمكن أن يواجهوا إلا بأنفسهم، ولا يمكن أن يفتتوا إلا بإثارة الفتن بينهم، ولا يمكن أن تجهض أحلام نهضتهم إلا بمحاولة استئصال «ميكانيزم» القوة ودافع الصمود والتضحية؛ وهو «الدين» في معانيه الصحيحة القوية السامية؛ ليتحول بعد الكيد والتشويه وتتابع الجرائم الوحشية التي ترتكب باسمه زورًا وبهتانًا إلى تعاليم متوحشة تستهدف إسقاط الحضارات وحرب الثقافات الإنسانية وإثارة الرعب في العالم كله!
وهذا ما يحدث الآن - مع كثير الأسف - فقد آتت الجهود الاستخباراتية التي كونت التنظيمات الدينية الإرهابية على النسق الخوارجي التكفيري أكلها يانعة لهم ومرة علقما علينا.
لقد توالى مسلسل اختطاف أبنائنا وتغيير أفكارهم؛ حتى غدوا أعداء لنا، لم يعد يستدعي أمر إثارة الانشقاق والفتنة والاضطراب في مجتمعاتنا العربية تدخلاً خارجيًا مكشوفًا؛ فقد تم التيقن أن تلك تجربة فاشلة لم تنجح في الجزائر ولا في المغرب ولا في تونس ولا في ليبيا ولا في سوريا ولا في العراق ولا في مصر إبان الاستعمار الغربي بأشكاله ودوله كافة، حتى ولو طال الزمن واستبد المستعمر وقتل الملايين، ففي نهاية آلام الحقب الاستعمارية الدموية المريرة خرج المستعمرون يجرون أذيال الخيبة!
رأوا - بعد التجارب القاسية لوأد العالم العربي والإسلامي والتأكَّد من عدم يقظته ثانية - أن يُدمر من داخله على يد أبنائه وبدينه بعد تشويهه وقلبه من دين رحمة وعدل وخير إلى شيء آخر لا علاقة له بدين الإسلام ولا بقيمه النبيلة السامية؛ حتى وإن تقنع وتبرقع بمصطلحات وبمسميات إسلامية للتمويه والخداع؛ كالجهاد، والدولة الإسلامية، والخلافة، وأمير المؤمنين، وحتى لو نفذ ما يوحي بأنه تطبيق للحدود برؤية خوارجية من باب ذر الرماد في العيون؛ فالخوارج قديمًا كانوا يتظاهرون بالعبادة والزهد؛ ولكنهم لم يعفو عن إراقة الدماء تحت طائلة تكفير من يخالفهم؛ ففرقوا أمر المسلمين ونشروا الرعب في ديارهم لأكثر من قرن من الزمان.
لم يتوقف استقطاب شبابنا إلى مستنقع التنظيم الإرهابي؛ فسعوا بأدوات التواصل الحديثة وعن طريق المزيفين والمتلونين ممن يظهرون غير ما يبطنون إلى التأثير على النساء باللافتات والعناوين نفسها التي يُخدع بها الشبان، وتغلغل الفكر التكفيري بين فئة معينة من النساء - ليست كثيرة ولله الحمد - ولكن قليلهن كثير والله؛ لعظم خطر انجرار المرأة إلى مستنقع التكفير الآسن، وقوة تأثيرها على الأطفال وعلى غيرها من النساء..
يتبع