د. جاسر الحربش
أفهم قرارات مجلس الوزراء الأخيرة كخطوة إضافية باتجاه ضبط حقوق استعمال الشارع والحد من استهلاك ما لا لزوم له. مسألة الاستهلاك متروكة لحرية المواطن حسب جيبه وذوقه. أما مسألة ضبط الحقوق في الشارع فهي مهمة أكبر من أن تقوم بها الجهات الرسمية فقط. في هذه المسألة تحتاج الحكومة إلى تعاون المواطن للمراقبة والتبليغ، ويكون التنفيذ بالكامل من مسؤولية الجهات الرسمية المخولة، ولكن مشروطا بما يتطلبه ذلك من الشفافية الكاملة وإدخال المحسوبية ضمن مسببات العقاب. مرة أخرى سوف تكون المهمة صعبة أو مستحيلة لكي تقوم بها الأجهزة الحكومية فقط دون مشاركة المواطن بهيئات رقابية وطنية محايدة. البلاد قارة شاسعة والعقليات الفوضوية منتشرة في كل مكان، ولكن الهاتف الجوال يفي بمهمة الرصد والتبليغ.
القرارات من الممكن وضعها في سياسات الترشيد أولا، وضمن ضرورة الغرامات الموجعة على المخالفين للتشديد على ردعهم ثانيا، وثالثا لتحصيل الرسوم من مردود البضائع الاستهلاكية بمفهوم القيمة المضافة على أشياء تكون أضرارها أكثر من المنافع، مثل السجائر وخرابيط البقالات وأدوات الزينة والتبرج للجنسين.
التوقيت منطقي ويسير في خط الضبط والربط الذي أصبحنا بأمس الحاجة إليه. تبقى المصارحة بالقول إن الإشكال عندنا ليس في شح القرارات وإنما في ضعف كفاءة الرصد والمتابعة والتنفيذ، وأيضا في خروم وثقوب المحسوبية التي قد تصطاد الأرنب وتفوت الجمل لأسباب طبقية أو مناطقية أو قبلية.
لدينا قرارات كثيرة وجميلة ومبهجة، مثلا في مشكلة العجز الإسكاني وتخلف التعليم عن متطلبات التنمية وفي محاولات ردع الاستهتار المروري والتحرش وقلة الأدب والتفحيط وإيذاء خلق الله، بما يصل بالفعل إلى الاصطدام العمد بالمركبات والقتل ثم الهروب من الموقع. لن يستفيد الوطن من الهبات الإعلامية في وسائل الإعلام، للتبشير ونشر التفاؤل بين المواطنين، ما لم يشاهد المواطن ويلمس ويحس بأن ما يصدر سوف ينفذ بدقة وعدالة واستمرارية. العكس يحدث، أي انزعاج المواطن وشعوره بالإحباط عندما تصدر القرارات المبشر بها إعلاميا ثم لا تطبق كما وبما يجب. عندئذ يفقد الإعلام المصداقية كرياح لا تحمل المطر ويزداد تململ الناس من تكرار القرارات بدون جني المحاصيل. القرارات بذور، والجهات المسؤولة تؤدي دور الفلاح، والأرض المنبتة هي المجتمع بمختلف أطيافه وجغرافياته وطبقياته. البذور يجب أن توزع حسب هذه المتطلبات، وأن تتم السقيا بالمتابعة الميدانية والرصد وشفافية التنفيذ، وإلا ضمر المحصول فنضطر إلى إصدار قرارات جديدة. ونسأل الله التوفيق.