رقية سليمان الهويريني
ينتهي الحدث ويبقى تحليل تداعياته وأبعاده، ولعل الكثير شاهد مقطع الفيديو الذي أظهر امرأة تتوشح بالسواد الكامل وتقوم بنزع السلك الكهربائي الذي يوصل بسماعة تبث شيلة غنائية في أحد المنتزهات بالمملكة.
والحق أن واقعة قطع السلك التي أحدثت ردود أفعال متباينة من متعاطف معها ومشجع لها بدعوى النهي عن المنكر، ومن آخرين مستهجنين لهذا الفعل الاجتهادي غير الموفق! وهو بكل حياد يظهر اللامبالاة من الفاعلة ومدى تسامح فئة معينة مع الاعتداء على حريات الآخرين، والتغاضي عن العبث في الممتلكات العامة!
إن عدم معاقبة تلك المرأة على اعتدائها ينذر بخطر كبير، لأنه تشريع للعنف وفرض للرأي! وقفز على مفهوم تغيير المنكر باليد بصورة فجة بغض النظر عن الاتفاق على مصطلح (منكر) الذي توسع وصار مجالاً للاجتهادات الشخصية! وهو احتساب في غير محله، ولو أن كل امرئ حقق أهواءه ونفذ رغباته الذاتية لتحول المجتمع لفوضى عارمة! ولعله امتداد لما كان يفعله الهمجيون من تكسير الآلات الموسيقية في المخيمات الدعوية!
إن انتشار أسلوب (لا أريكم إلا ما أرى) هو الوجه الآخر من الإكراه والإرغام ومصادرة الرأي الآخر واستخدام القوة والبطش بالتدخل المباشر في رغبات الآخرين وحقوقهم العامة، وكان حرياً بتلك المرأة الجاهلة أن تغادر المكان طالما لم يعجبها بدلاً من إحداث التغيير الشخصي، أو تتوجه للقائمين على المكان لإبداء وجهة نظرها مهما كان صوابها أو خطأها، فحقها بالاعتراض مكفول ويمكن مناقشتها لإقناعها أو اقتناع الآخرين برأيها. ولعلنا نتفق بأن الإنكار ينبغي أن يكون مهذباً ويتخذ شكلاً حضارياً من خلال المؤسسات الرسمية بدلاً من الهمجية والتوحش!
وما دام الأمر على ما رأينا فغير بعيد أن يقوم أي شخص معتل فكرياً بتدمير منشأة أو تكسير محتوياتها طالما لم يعجبه نشاطها تحت المفهوم الخاطئ لتغيير المنكر! أو كما فعل ذلك بعض الشباب حينما قاموا بتكسير كاميرات ساهر في بداية العمل بالبرنامج! حتى تم عقابهم فتوقفوا عن هذا الفعل! وغير مستغرب أن يقوم شاب بقتل والديه أو أحدهما بحجة أنه كافر بحسب وجهة نظره.
المفاجأة في هذا الحدث هي رصد مكافآت مالية لتلك المرأة من متعاطفين معها؛ إحداها من ابن مطرب شعبي سابق، لذلك لا تستغرب حين ترى امرأة تحرّض ابنتها وتقول لها: اقطعي السلك يا منيرة!!