كان كل الأهل والأقارب والجيران يعرفون ضعف رب الأسرة، وتفرُّد الأم بالسلطة والقرار في كل شؤون الأسرة.. حتى والأولاد قد كبروا. وكانت البنت الكبرى تحاول تقليد أمها؛ فنشأت عنيدة، وحينما تقدم لها ابن عمها الشاب الرزين العاقل الناجح قوي الشخصية ذو السمعة الرائعة وافقت الأسرة وتم الزواج..
لكن نصائح الأم المتشددة وافقت هوى الفتاة؛ فبدأت الفتاة حياتها بمحاولة فرض رأيها وممارسة العناد. كانت تحاول القيام بدور أمها نفسه مع أبيها، لكن ابن عمها كان رجلاً آخر.. حاول بهدوئه ورجاحة عقله احتواء نزقها وتهورها، دون فائدة. اشتكى لعمه (المسكين)، لكنه لم يجد مساندة، ولم يستطع التحمُّل أكثر؛ فطلقها..
عاد وتزوج من إحدى الأسر، وانطلقت سفينة حياته تبحر بهدوء وأمان، ورزقه الله بنين وبنات، وبنى بيتًا جميلاً، وترقى في عمله، حتى أصبح موضع ثناء كل الأهل والأقارب والجيران. وكانت ابنة عمه لم تتزوج بعده، ورست سفينة حياتها على ميناء الركود والصمت، لكنها كانت تجد ابن عمها في كل مكان.. لا تجلس في مجلس نساء إلا والمدح والثناء في شخصية (إبراهيم) ابن عمها الذي خسرته، إذا ذُكرت الطيبة ذُكر اسمه، وإذا ذُكر الوفاء ذُكر اسمه، وإذا ذُكر فعل الخير ذُكر اسمه، وإذا ذُكر البر بالأهل ذُكر اسمه، وإذا ذُكر النجاح ذُكر اسمه، وإذا ذُكر العطاء والكرم ذُكر اسمه..
باختصار، كان وسمًا لكل معاني الرجولة.. كانت حين ترى سيارته تتألم، وحين ترى وتدخل بيته الجميل تتحطم، وحين تقابل زوجته تتلعثم!! وحين ترى أبناءه تتندم.. كانت تتابع أخباره صامتة.. لكن كل حواسها.. تتكلم!
- أحمد حسين الأعجم