وصلت.. تراقصت الكلمة على شاشة الجوال مهللة مستبشرة؛ فتلقتها الأعين فرحة مبتهجة. طار إلى بيته، واحتضن زوجته بدفء ودلال، وهي متعجبة من فعله: ما بك؟ تساءلت ببراءة. فرد فرحًا: وصلت، وصلت «يا لبة قلبي». ثم ناولها الجوال فقرأت، ثم شهقت، ثم صاحت فرحة، ودارت حول نفسها كراقصات البالية الروسيات في بحيرة البجع. احتضنت الجوال كما تحتضن الأم بكرها الرضيع، تريد أن تسقيه من رحيق قلبها. تنفست الصعداء، وقالت وهي تنظر إلى السقف: شكرًا لله، أخيرًا. قفز إلى أطفاله، وبشرهم، فهلوا، واستهلوا، وتصايحوا: مرحى مرحى. ولت أيام التعب، وجاءت أيام الراحة والمرح.
انطلقت الأم تلمع وتنظف؛ فعينا الضيف الجديد لا بد أن ترى البيت في أجمل حلة.
انطلق الأب مسرعًا نحو المطار، يلتهم الطريق للضيف المهم الذي سيحول حياتهم من الشقاء إلى الرخاء.
وصل وهرع لصالة القدوم، وقدم بطاقته للموظف المعني الذي ما إن استلم البطاقة إلا وأومأ وقال: «هاتوا ميري».
تخيل الأب ميري في العشرين، تمتلئ شبابًا وصحة، وتذكر كلماته لزوجته «هوني عليها في البداية حتى تتأقلم وتعتاد العمل».
لحظات وبحلق بقوة، وكاد فكه الأسفل يقع إلى الأرض.
امرأة بدينة، تمشي بعكاز بصعوبة، تنظر إليه خلف النظارة السميكة: «بابا... أنا ميري».
- علي محمد الماجد