من الطبيعي أن يستهلك الإنسان مواد مختلفة في حياته، ولكن هذا الاستهلاك ينبغي أن يخضع لمقاييس محددة ومعايير معقولة، تجعل من ذلك الاستهلاك وسيلة لتأمين حياة سعيدة للإنسان دون أن تصل إلى حد الإسراف والتبذير؛ إذ إنه من غير الطبيعي أن يتحوَّل الاستهلاك إلى ظاهرة تقليد، يقوم الإنسان بتبنيها، ويشتري سلعة لا يحتاج إليها، وهو يفعل ذلك فقط ليحصل على سلعة يختزنها في البيت!
وفي هذا المجال لا بد من الاعتراف بأن شعبنا قد أصبح مقلدًا واستهلاكيًّا بشكل يثير الاستغراب والدهشة.. شعب ينفق أمواله دون تفكير فيما إذا كان هو بحاجة إلى السلعة التي يشتريها أم أنه لا يحتاج إليها. والأمر الذي يدعونا للتفكير قليلاً في سلوكنا هو أن تقليد الغرب يعمي أبصارنا؛ فنأخذ عنه دون أن نفكر بما نأخذه، وإذا أخذنا فإننا نأخذ القشور فقط ونترك الجوهر، نأخذ عنهم الموضة بدلاً من أن نسعى إلى نقل التقنية وتعليم أولادنا الاعتماد على النفس.
لننظر إلى علية القوم من النساء والرجال عند الغرب وإلى من هم في قمة الهرم الاجتماعي وإلى المشاهير في هوليود.. نجد أن ألبستهم بسيطة جدًّا، وعادية، على الرغم من أنهم يستطيعون أن يدفعوا آلاف الدولارات ثمن البدلة. وهنا نسأل: لماذا لا يفعلون ذلك؟
بكل بساطة لأنهم يعلمون أن الاستهلاك له حدود وأصول، يراعَى فيها مصلحة الوطن والمواطن. وتحقيقًا لهذا المبدأ نرى أن أغنياءهم يقومون بمشاريع إنسانية وإنمائية، وهذا ما يفعله من يحصل على جوائز أوسكار؛ إذ إننا نجدهم ينفذون مشاريع خيرية، وهذا ما يقوم به الممثلون في هوليود. إننا نجدهم يتنافسون في القيام بمشاريع إنسانية وخيرية في بلدانهم وفي إفريقيا وآسيا.
كيف يحدث هذا؟ لقد أخذ هؤلاء من المدرسة ثقافة العمل الجماعي والتعاون؛ الأمر الذي يخدم المجتمع؛ فنجد أحدهم ينشىء حديقة، وآخر يبني مستشفى أو مدرسة، وثالثًا ينشئ مشروعًا إنتاجيًّا يشغِّل فيه آلاف العمال. وحتى على مستوى المواطن العادي نجده يتطوع لتقديم خدمات اجتماعية.. فلماذا لا نحذو حذو هؤلاء ونقدم خدمات لمملكتنا الحبيبة كما يفعل الغربيون؟
هناك شركات غربية تنتج سلعًا تصدرها إلينا فقط، ولا تضعها في أسواقها المحلية؛ لأنها تعرف أن المواطن هناك لا يقدم على شراء تلك السلع حتى ولو كان قادرًا على دفع قيمة تلك السلعة.
تشير الإحصاءات إلى أننا نستورد من الألعاب - مثلاً - بمبالغ عالية جدًّا، تتخطى ما هو معقول ومقبول. لندخل إلى بيت عادي، سنجد أن لدى الطفل عشرات الألعاب. وينطبق هذا على الأجهزة؛ إذ نرى أن الطفل الذي يبلغ من العمر عشر سنوات أو أقل لديه أكثر من جوال، لديه آي باد، بلاي ستيشن.. وسلسلة طويلة من الأجهزة.
وإذا قارنا ما يملكه طفلنا بما يملكه الطفل الغربي سنجد أن هذا الأخير لديه لعبة واحدة فقط، وقبل شرائها يتقصى فائدتها، ويعرف لماذا يشتري تلك اللعبة. وحتى في الهدايا نحن لا نفكر كما يفعل الغرب. نعم، نجد أن هناك فرقًا كبيرًا؛ لأن والدَيْ الطفل الغربي قد وجَّهاه إلى نشاط آخر غير النشاط الذي يمارسه طفلنا، وهو أن ما يأخذه من مال يتجه به مباشرة إلى حصالة نقوده، ويضع ذلك المبلغ فيها، ويستمر بهذا السلوك طوال فترة تحصيله الدراسي. مع العلم بأن أباه يفتح له حسابًا في البنك منذ ولادته، وبهذا عندما يتخرج من الجامعة يجد أنه لديه مبلغًا كبيرًا في حسابه البنكي، يمكِّنه من أن يبدأ حياة سعيدة. أضف إلى ذلك أن الأبوين يشرفان على الألعاب التي يلعبها طفلهما، ويراقبان المواقع التي يدخل إليها. وأما نحن - وللأسف - فلا نفعل هذا، سواء كان ذلك بالنسبة للناحية المالية أو النشاط الذي يقوم به طفلنا. لماذا يا إخواني!
في واقع الأمر إننا نعيش زمن العولمة، زمن التنميط والاستنساخ. ومن المؤسف أن المسار السلوكي الذي نسير عليه يوطد هذا التنميط، بينما نجد أن المواطن الغربي يحاول التخلص من هذا النمط الاستهلاكي؛ وبالتالي لا نجد عنده نمط الاستهلاك السائد في بلادنا.
في السابق كان لدينا عادات جميلة جدًّا، وكلنا نعرفها، ولسوء الحظ فقد استبدلناها بعادات غريبة عن مجتمعنا، بدلاً من أخذ العلوم والثقافة الإنتاجية الموجودة لدى الغرب. ومن هذه العادات المستوردة ما يتعلق بالطعام؛ فقد هجرنا مطابخنا، وانتقلنا إلى المطاعم. وهذه الظاهرة لا تشير إلا إلى الابتعاد عن ثقافتنا وإلى تبني ثقافة الوجبات السريعة، بما فيها من محاذير ومخاطر، خاصة الأطعمة المهجنة.
يا للعجب! كيف نسمح بهذا ونحن نعلم أن هذه الأطعمة تؤثر على صحة أطفالنا الذين نرى أنهم يعانون ظاهرة السمنة؟ ولم تعد الأم تهتم بأطفالها، وأصبحت تفضل الاتصال بالمطعم وطلب الغداء أو العشاء. وإني لأرجو أن نعمل إحصائية لنكتشف أن أطفالنا أصبحوا يفضلون أكل السوشي أو الهمبرجر الذي لا يمت بأية صلة لطعامنا، بدلاً من تناول أكلاتنا الشعبية..
سأل طفل أمه: «لماذا يا أمي تخبئين مجوهراتك في مكان سري بعيد عن أيدي الخادمة؟». أجابت الأم: «خوفًا عليها من الخادمة». فقال الطفل: «يا الله، إذن كيف تتركينني للخادمة؟ هل المجوهرات أغلى مني يا أمي؟!».
وفي الحقيقة، أصبح مجتمعنا بعيدًا كل البُعد عن عاداتنا الأصلية.. وهذا قرآننا يأمرنا بالتأمل والتفكر والتعقل.. يقول الله في قرآننا الكريم: {... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (266) سورة البقرة. ويقول:
{... وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (65) سورة آل عمران.
وبهذه المناسبة، حبذا لو أن وزارة التربية والتعليم تفتح مدارسها بعد الظهر، وتجعل من تلك المدارس مراكز نشاط للتلاميذ؛ ليمارسوا الألعاب الرياضية (كرة القدم - تنس - كرة طائرة - الجري... إلخ). أي أن تصبح المدارس نوادي رياضية، يؤمُّها الطلاب؛ إذ يتعودون على النشاطات الجماعية، ويتخلصون من عادة الجلوس ساعات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية التي تعزز فيهم الفردية التي تشكل خطرًا على المجتمع. وبالطبع يكون هناك مشرفون مختصون مزودون ببرامج توطد وتوطن في أجيالنا روح التعاون والعمل الجماعي.
وبالطبع يمكن للمشرفين أن يشجعوا المتفوقين في هذه النشاطات، وأن يصنعوا منهم أبطالاً يرفعون اسم الوطن على المستوى العالمي. وقد شاهدنا نماذج عديدة في العالم.