محمد سليمان العنقري
أعادت مؤسسة النقد قبل أيام التأكيد على تثبيت سعر صرف الريال أمام الدولار عند مستوياته الثابتة منذ العام 1986م وهي ليست المرة الأولى التي تنفي فيها المؤسسة الإشاعات حول النية لتغيير سعر الصرف هذا العام، بل قد تكون ثالث مرة هذا العام، وهو ما يثير الاستغراب حول من يروج لتلك الإشاعات وأهمية التوصل لمعرفة مصدريها مع العلم أن البيانات الرسمية عندما تصدر من البنوك المركزية تكون قاطعة وتضعف أثر أي إشاعات تتكرر مستقبلا وهذا ما يلاحظ بآخر إشاعة قبل أسبوع إذ كانت ضعيفة، ولم تجد أي صدى كما حدث أول مرة ببداية العام الحالي، بل الغريب بالإشاعة الأخيرة أنها استندت لخبر عن بنك سوسيتيه جنرال، كان قد صدر قبل 6 أشهر!! في وقت تراجع سعر النفط لمستوى 30 دولارا، وأعطى فيه البنك احتمالا ليس بالكبير وقتها لتغيير سعر صرف الريال أمام الدولار إذا استمرت أسعار النفط بنفس المستوى لفترة طويلة، وهو ما لم يحدث إذا عاد النفط فورا للمستوى الذي يقف عنده حاليا منذ شهور بين 45 و50 دولارا، فالمملكة ليست مضطرة لتغيير سعر صرف الريال أمام الدولار بالوقت الراهن وحتى لسنوات قليلة مقبلة إذ إن الأدوات بالسياسة النقدية والمالية ما زالت قوية في صالح بقاء السعر كما هو عند 3.75 ريال لكل دولار، بل بحسب المشاورات وآراء صندوق النقد، فإن الإبقاء على الربط بالدولار ومستوى سعر الصرف الحالي يرى أنها مناسبة جدا ولا يوجد حاجة لتغييرها، فتغيير سعر الصرف يكون لأسباب عدة، منها ما هو قسري تضطر له الدول إذا فقدت القدرة على تحقيق فوائض بالميزان التجاري وبالموازنات لسنوات طويلة، وكذلك لا تتوافر لديها احتياطات بالقطع الأجنبي كافية، وعدم القدرة على الاقتراض لتغطية العجز بالميزانية نتيجة لارتفاع حجم الدين العام، وضعف الملاءة والجدارة المالية للدولة، وهذه العوامل كلها غير موجودة في حالة الاقتصاد الوطني الذي يتمتع باحتياطيات ضخمة تفوق 570 مليار دولار، ودين عام منخفض جدا قياسا بالناتج المحلي يقل عن 10% مع قدرة على تغطية واردات المملكة لأكثر من 28 شهرا، وهو ما يفوق المعيار العالمي عند 4 أشهر بسبعة أضعاف بالإضافة إلى أننا دولة مستوردة لجل احتياجاتها، وهذا ينفي أهمية خفض سعر الريال، بل إننا بالوقت الحاضر نستفيد جدا من تراجع العملات العالمية من الدول التي نستورد منها كمنطقة اليورو وآسيا وبريطانيا إذ تتقلص فاتورة الواردات مع ارتفاع قيمة اريال أمام تلك العملات التي يفترض أن نرى أثر ذلك خلال الأشهر القليلة المقبلة أكثر وضوحا كما أن الفترة الحالية تشهد طلبا مرتفعا على الريال مع قرب موسم الحج أي أن الإشاعات تروّج بفترة تتناقض مع ادعاءاتهم بانخفاض الريال أمام الدولار.
كما أن الإصلاحات بالمالية العامة بدأت تتحسن نتائجها بارتفاع إيرادات الخزينة غير النفطية يضاف لذلك التوقعات بتقلص العجز عن التقديرات السابقة مع ضبط الإنفاق العام.
وفي الجانب الآخر فإن المملكة ليست بالاقتصاد المتنوع الإنتاج ويحتاج إلى تنافسية كبيرة لكي يصدر سلعا وخدمات تتطلب مرونة بسعر الصرف، بل إننا على العكس نبحث على تلبية احتياجات السوق المحلي أولا قبل التفكير في التصدير باستثناء المشتقات من البترول لأنها ما يميز اقتصادنا، وهي تسعر عالميا بالدولار أي لا يخدمها أي تغيير بسعر الصرف، فالمصلحة تقتضي الإبقاء على سعر الصرف دون تغيير على الأقل بالمدى المنظور لخمس أو عشر سنوات حتى نرى ارتفاع بالطاقة الاستيعابية للاقتصاد وخفض بحجم الواردات نتيجة زيادة الإنتاج المحلي فالتنوع الاقتصادي وزيادة حجم السلع المنتجة محليا إحدى ركائز التفكير بتغيير سعر الصرف إذا كان ذلك يخدم مصلحة الاقتصاد.
بث الإشاعات حول تغيير سعر الصرف له مستفيدون يضاربون بالأجل القصير لتحقيق مكاسب سريعة، لكن لتلك الإشاعات عند تكرارها بفترات قصيرة أثر سلبي على جذب الاستثمارات من الخارج التي تتطلب استقرار بسعر صرف العملة كما لها ضرر بتحويل بعض المستثمرين أو المدخرين محليا جزءا من أرصدتهم لعملات أخرى أو يتعطلون عن ضخ استثماراتهم من جديد بالاقتصاد، بخلاف الأضرار الأخرى على مجمل الاقتصاد من جراء تلك الإشاعات التي تتطلب على ما يبدو ضرورة الوصول لمروجيها مهما كانت شخصيتهم الاعتبارية حتى لو كانوا بنوكا عالمية تطلق إيحاءات حول تغيير سعر الصرف بتقاريرها، بينما صناديقها تضارب على الريال لأجل قصير أو حتى من مضاربين محليين حتى يتم معاقبتهم حسب الأصول والقواعد والأنظمة محليا وعالميا كما حصل بحالات مشابهة مع دول قدمت شكاوى ضد مؤسسات مالية عالمية تسببت بضرر على عملاتها فتكرار الإشاعات «بفترات قصيرة» على عملة كالريال ثابتة ومرتبطة بأقوى عملة عالميا الدولار، ولديها أدوات قوة عديدة تدعم خياراتها حول مستوى سعر الصرف لا بد أنه غير بريء ويتطلب إجراءات صارمة تشترك في اتخاذها العديد من الجهات تحت مظلة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.