د. محمد عبدالله العوين
هل رأيتم نافرة إلى تنظيم «داعش» الإرهابي تجاهد؟! هل رأيتم إحداهن حاملة كلاشنكوف أو آ ربي جي أو حتى مسدسا تخوض به معركة؛ أية معركة، بعيدا عن كونها على حق أو باطل؟!
والجواب بطبيعة الحال: لا !
فلم نراهن « مجاهدات» إلا في الصور التي تزين حسابات عدد منهن، لم نر منهن إقداما في ساحات الوغى لقتال «الكفار والمرتدين» يسوغ هجرتهن المزعومة إلى ما يسمى بـ»دولة الخلافة» التي أوشكت شمسها على المغيب الآن!
إذا فيم يجاهدن؟ ولم نفرن؟ وما المهمات «الجهادية» التي أوكلت لهن؟ وكيف ترك بعضهن أزواجهن؛ سواء كان أزواجهن موقوفين أو طليقين وتزوجن من «المجاهدين» الذين يقتلون تباعا في المعارك الجهادية الضارية مع الكفار والمرتدين ثم يتزوجن آخرين بعدهم، وهكذا دواليك، والمجاهدون في دولة الخلافة المزعومة - كما نعلم - تقاطروا إليها من كل بقاع العالم؛ ففيهم الأفغاني والباكستاني والشيشاني والأوزبكي والأفريقي والعربي والأوربي والأمريكي، وهم يأتون إلى «الدولة الإسلامية» المزعومة بلا زوجات، لأن لديهم من الخيارات المتاحة ما يوفر عليهم القلق في البحث عن زوجة؛ فأمامهم السبايا من كل جنس ولون؛ السبايا اللائي توهب إليهم حلالا بلالا على إثر الغزوات التي يشنها «المجاهدون» ضد «الكفار والمرتدين» من الأزيديين والنصارى والصابئة والتركمان والكرد وغيرهم، فيتمتعون بما وهبته لهم دولة الخلافة؛ فلا مشكلة تقلق أي مجاهد في هذا الجانب، ولو أراد «المجاهدون» التنويع أو التغيير فأمامهم خيارات أخرى ليس لها حصر؛ ففي خضم المعارك الضارية «يستشهد» - حسب زعم دولة الخلافة - عشرات إن لم يكن مئات من «المجاهدين» المتزوجين، فتبقى زوجاتهم يحتجن إلى من يكفلهن ويشفق عليهن ويرعاهن خير رعاية، وينفر أيضا إلى «الدولة الإسلامية» مئات النساء من آفاق الدنيا، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، يطمحن في «الجهاد» وفيهن الشابات الصغيرات التي لم يكدن يتجاوزن سن المراهقة من بوسنيات ونمساويات وأوربيات على مختلف الأعمار والأشكال، وفيهن أيضا عربيات من مختلف الأقطار والأمصار ممن ضاقت بهم بلدانهم العربية «الكافرة المرتدة» فنفرن إلى «دولة الإسلام» للإسهام في الجهاد، وعلى الأخ «المجاهد» أن يطلب الأجر من الله تعالى فيكفل على قدر استطاعته ما يشاء من الأخوات «المجاهدات».
ربما وقر في وجدان كثير من النافرات إلى «دولة الخلافة» المزعومة أن جهاد المرأة لا يستوجب حمل سلاح ولا تضميد جراح ولا خوض معارك؛ بل يتوجب عليهن بذل ما يستطعن من الدعم المعنوي «للمجاهدين» من خلال التشجيع والتحفيز والكتابة في وسائط التواصل الاجتماعي ورعاية البيوت وتجهيز الطعام وتهيئة سبل الراحة للمجاهدين، وهن يعلمن بوعي كامل أن انخراطهن حاملات السلاح في الجبهات لن يضيف إلى المعارك الدائرة مع الكفار أي انتصار للمؤمنين؛ فليلتزمن إذاً بدعم الجبهة الداخلية ما يستطعن إلى ذلك سبيلا من خلال عواطف المرأة السخية المشجعة المحفزة حينما تمتلئ بقناعة مطلقة بدورها في معركة يخوضها الرجل إنابة عنها وعما تؤمن به من أفكار وما تشاركه فيه من مبادئ.
لكن كيف يتم التسلل إلى قلوب النساء؛ لإقناعهن بهذه الأدوار الجهادية؟!
مما يتبين من خلال متابعة حسابات عدد منهن حين يكتبن تجاربهن في النفير إلى «الدولة» المزعومة أن المستقطب ليس رجلا؛ بل امرأة مثلهن، تزين لهن الحياة الآمنة المؤمنة التقية النقية الرغيدة السعيدة في «دولة الخلافة» وتكره لهن الحياة القلقة الفاسدة المفسدة المنحرفة الضالة في دولهن الكافرة المرتدة! وشيئا فشيئا وبعد تضخيم مظاهر «الضلال» المزعومة «وتكبير مظاهر» الإيمان « الموهومة تبدأ المرأة في الاستجابة للداعية الغريبة التي لا تعرف لها اسما ولا رسما ولا تعلم من أي بلد هي ولا إلى أية جنسية تنتمي، ثم يبدأ بعد العزيمة على «النفير» إلى دولة الخلافة دور الرجل الذي يسهل العقبات ويذلل الصعوبات ويرسم الخطة، فتتنقلها الأيدي وتقذفها المخابئ ويسلك بها المهربون معابر القلق والتفتيش وترميها الجوازات المزورة من مطار إلى مطار إلى أن تصل إلى «الجنة» الموهومة!
هكذا تُزين لهن جنة دولة الخلافة، وهكذا يعشن في عصر آخر غير عصرهن، وينتقلن من عالم واقعي إلى عالم خيالي، ومن أوطان حقيقية إلى دولة لا حقيقة لها على أرض الواقع، فيفاجأن بعد وصولهن إلى ما نفرن إليه أن الخيال غير الواقع، وأن الإسلام الذي سيعود كما بدأ على يد دولة الخلافة ليس إلا كلاما معسولا يُصب في الآذان من بعيد، وكلاما جميلا يكتب في وسائط التواصل من غرباء.
لكن ساعة الحقيقة لا تكتشف مع الأسف إلا بعد أن تصل الروح الحلقوم أو تكاد.
ويستوجب هذا المقال في ختامه إعادة السؤال من جديد: ما هو الجهاد الذي يمكن أن تسهم فيه المرأة الداعشية؟!