كاتب فهد الشمري
في بداية هذا المقال، أود أن أهنئ معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى على توليه منصب أمين عام رابطة العالم الإسلامي، خلفاً لمعالي الشيخ الدكتور عبدالله التركي.
والدكتور العيسى أحد الرموز الوطنية الشرعية والعدلية، وقد شغل منصب وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة لسنوات عدة، وكان من الوزراء المميزين في حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي دعم وساهم في تطوير مشروع مرفق القضاء، وكان له دور كبير وبارز في تطوير هذا المرفق، ولمس هذا التطوير كل من الوزارة ومن عرف القضاء أو له علاقة به.
ولعلي لا أخفي تفاؤلي من أن العمل الإسلامي سيشهد تطوراً ملحوظاً، وسيكون لرابطة العالم الإسلامي دور أكبر وفعال في خدمة قضايا المسلمين كما هي عادتها، ومن المؤكد أن يكون الدكتور العيسى هو خير سلف لخير خلف، فمن يعرف الدكتور العيسى يعرف حقيقة وطبيعة همته العالية وقوته التي لا تتوقف عند حد معين، بل هو يملك نفساً تواقة لكل جديد وجميل. وبهذه المناسبة ندعو له بالتوفيق في أداء مهامه الجديدة، ولعل من المناسب بمكان أن أستعرض معك أيها القارئ الكريم تاريخ ومعاني هذا المنصب الذي لا تخلو منه هيئة أو مؤسسة حكومية كانت أو تجارية إلا ويوجد بها هذا المنصب، فما هو هذا المنصب؟ وهل هي مهنة أم مهمة؟ وما هي الأساسيات المطلوبة فيمن يشغل هذا المنصب في أي مكان وزمان؟ وهل هذا المصطلح جديد أم قديم؟ وهل لهذا المصطلح وجود في التاريخ الإسلامي؟ إن منصب الأمين العام الذي يأتي كأهم منصب في الأمانة العامة لأي منظمة أو هيئة حكومية كانت أو تجارية، دولية كانت أو محلية يعتبر المنصب الأرفع والأكبر في هذه المنظمة أو تلك، كون الأمين العام هو مكمن سر تلك المنظمة، والمتحدث الرسمي لها، وهو من ينتدب الآخرين لتمثيلها في أي مكان أو زمان، فهو محور هذه المنظمة طالما بقي في هذا المنصب، فالأمين العام هو الشخص المفترض فيه أن يقوم برعاية وتطبيق النظام داخل هذه المنظمة، وخارجها في كل الأمور التي لهذه المنظمة أو تلك علاقة بها، ولعل من يسمع تصريحات أمين عام الأمم المتحدة يدرك معنى الأمانة العامة، ويدرك رفعة هذا المنصب وقوته التي تمكّن صاحبه من التدخل في كل القضايا التي تهم المنظمة داخلياً وخارجياً. أما عن سؤالنا: هل هذا المنصب مهنة أو مهمة؟ فإن الاستقراء للتاريخ أنه مهمة ينتدب لها من يستحقها، ومن تكون لديه الكفاءة في توليه، فهو مهمة يتولاها الشخص لبضع سنوات وهو ينال على دورات غالباً ما تكون أربع سنوات قابلة للتجديد مرة أخرى، كما هي الحال في الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام للجامعة العربية، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي, وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي, والأمين العام لاتحاد الحقوقيين العرب, وكل الأمناء العامين تنطبق عليهم نفس هذه الشروط، وهذا يدل على أن هذا المنصب لا يقل أهمية عن أي منصب حكومي يتولاه الوزير أو حتى الرئيس في الدول التي يختار رئيسها عبر الانتخابات كما هي الحال في النظام الأمريكي، فهذا المنصب ممة وليس مهنة، وهو تكليف أكثر من كونه تشريفاً.
إن المتطلبات التي يتطلبها شغل هذا المنصب كثيرة، ولعلي أذكر بعضاً منها؛ فالأمين العام لا بد أن يكون متمتعاً بشخصية قوية غير قابلة للانجراف وراء أهواء البعض، سواء كان البعض دولاً أو جماعات أو أفراداً، ومنها أن يكون ذكياً ملماً بأمور المنظمة أو الهيئة التي يتولى أمانتها العامة، وأن يكون أحرص الناس على تطبيق النظام داخل المنظمة أو الهيئة قبل سواه من الناس، ولا يمكن أن يتوقع الناس من شخص لا يطبق النظام داخل المنظمة أو الهيئة التي يعمل بها أن يقوم على تطبيقه خارجها وهذا من البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان.
إن معرفة النظام والإلمام به والأنظمة الأساسية التي للبلد التي يكون مقر المنظمة فيه هي من أولى الأولويات التي يجب على الأمين العام معرفتها، وما دام عرفها فإنه لا بد أن يقوم بتطبيقها حتى على نفسه قبل غيره، أما أن يتجاهلها أو يعمل على نقيضها فإن هذا يعد خطأ من الأخطاء التي لا يمكن غفرانها لأنه ليس كغيره من الناس.
ثم إنه من الجدير ذكره أن نعرج على مسألة الأمانة العامة وعلى مصطلح الأمين العام وتاريخه فهل هذا المصطلح قديم أم جديد؟ وأنا هنا أؤكد للقارئ الكريم أن مهمة هذا المنصب قديمة قدم البشرية، فهو موجود في التاريخ البشري، ولو سمي بغير اسمه فما من ملك أو قائد إلا وكان لديه أمين سر ينادمه ويسره بما يسره ويسوؤه على حد سواء، والتاريخ مليء بالأحداث والقصص التي تدل على ذلك، ولو لم يكن هذا المصطلح هو الغالب ولكن المهمة كانت موجودة والغاية هي نفس الغاية التي يطمح الناس فيها اليوم من الأمين العام في أي زمان ومكان.
ولعل الإشارة في قوله تعالى على لسان فرعون وهو يخاطب وزيره هامان بقوله {فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}، فلماذا لم يخاطب فرعون سوى هامان؟ ولعل اختيار الله تعالى لجبريل عليه السلام ليكون أمين الوحي رغم أن الملائكة جميعهم مقربون فوصفه تعالى بالروح الأمين فيه دلالة على أن هذه المهمة لا يمكن أن يختار لها أكثر من شخص واحد.
وأما عن علاقة هذا المصطلح بالتاريخ الإسلامي فإننا نجد أن الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح قد لقب بأمين عام الأمة، وسمي حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أمين سر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، مما يدل على أن لهذا المصطلح أثراً كبيراً في حياة النفوس والأفراد والجماعات والدول والقادة.
أتمنى عزيزي القارئ أن أكون قد استعرضت معك أهمية وحقيقة هذا المنصب وهذا المصطلح الذي يحتاج إلى جهود كبيرة وفعالة، كونه في آخر المطاف يعتبر مهمة وليس مهنة.