عبدالعزيز السماري
هجرة أموال السعوديين إلى الخارج يرفع أكثر من علامة استفهام، فالوطن يمر في مرحلة دقيقة من التاريخ، ويواجه تحديات في الداخل والخارج، ولعل أهمها الحرب في اليمن، والصراع الدائر في سوريا، إضافة إلى تأثر الدخل الوطني بانخفاض أسعار النفط.
سبق أن طالب أحد أعضاء مجلس الشورى في أبريل الماضي بضرورة دراسة الأسباب التي تؤدي إلى هجرة رؤوس الأموال السعودية، ولم تخرج إلى اليوم نتائج لهذه المطالبة، والجدير بالذكر أن مقدار إجمالي التحويلات الشخصية للسعوديين إلى الخارج حقق نموًا سنويًا تقدر نسبته بـ13 في المائة خلال عامي 2013، و2014، أي ما تعادل قيمته نحو 9.9 مليار ريال، ليصل إلى مستويات الـ88.6 مليار ريال، خلال عام 2014، مقارنة بـ78.6 مليار ريال خلال عام 2013.
لم تخرج إلى الآن أرقام حجم التحويلات خلال العام الماضي والحالي، لكن وسائل الإعلام تداولت أن مؤسسة النقد السعودي «ساما» قامت بضخ أكثر من 15 مليار ريال لدى البنوك السعودية بنهاية شهر يونيو، فهل كان ذلك بسبب أزمة سيولة في البنوك السعودية بسبب هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وهو يثير الأسئلة عن أسباب هروبها، ولماذا تهرب في هذا الوقت بالذات؟
لا شك أن الوطنية شعار يتزين به الجميع، ويتغزل به الشعراء في المهرجانات، لكن الجنود البواسل يضعونه في أفئدتهم في دفاعهم عن الحدود، ويظهر هذا المشهد على نقيض من عبارة «رأس المال جبان» كما يطلق عليه، وهي جملة تمت صياغتها لتبرير هروبه، ولعل الغائب في هذه الصورة المتناقضة أن هناك من يضحي بحياته من أجل الوطن، وهناك من يعمل ليل نهار من أجل أن يكون مستقبل الوطن في أمان، وهناك من يهرب إلى الخارج بأمواله..
علينا أن ندرس جيدًا لماذا يتصف رأس المال السعودي على وجه التحديد بالجبن، ولماذا يهرب في وقت يحتاجه الوطن إليه في أزمته، وما زلت أنتظر من مجلس الشورى أن يخرج برؤية وطنية عن عدم شعور رأس المال السعودي أحيانًا بالأمان في وطنه، الذي كان السبب الأول والأخير في ثرائه الفاحش.
نعلم جيدًا أن الدولة بمشروعاتها الكبيرة كانت السبب الأهم في تضخم ثروات كثير من رجال الأعمال بمختلف مسمياتهم، وهو ما يعني أهمية إعادة ترتيب ترسية المشروعات في المستقبل، وأن يكون الوطن في حالة حذر شديد من رأس المال الجبان الذي يهرب، إذا شعر أن الحال اختلفت، ولكن ما هي الطريقة التي نجعل منها رأس المال وطنيًا خالصًا في المستقبل؟
من أهم الحلول أن تختفي للابد ظاهرة ترسية المشروعات بطريقة التعميد، وأن يفتح المجال أمام الشركات المساهمة التي يشترك في ملكيتها قطاعات مختلفة من المجتمع في الظفر بالمشروعات الوطنية، وأن تتوقف أيضًا ظواهر الاحتكار التي تتصف بقدراتها في الدخول من أبواب المصالح الخاصة.
نحتاج إلى أكثر مما مضى في تعزيز الإيمان بالوطن للجميع فعليًا، على ألا يكون الوطن فقط بوابة لهروب الأموال سواء كان ذلك للأجانب الذين يستحوذون على أغلب فرص العمل في السوق السعودي، أو نافذة مفتوحة لتحويل مسار الأموال السعودية الجبانة إلى الخارج.
نحن أبناء وطن غني بثرواته الطبيعية وبتاريخه العريق، وربما لن يحتاج الوطن الكبير بتاريخه إلى من يتصف بالجبن في المستقبل، وربما مع الرؤية السعودية الجديدة، تختلف الأوضاع، وتسن القوانين التي تجعل من مواطنيه المستفيد الأول من ثرواته، وذلك بإصلاح النظام الإداري والاقتصادي، وحماية حقوقهم في الكسب المشروع، ثم تجعل من الوطن الحصن المنيع ضد غدر رأس المال الجبان.