د. أحمد الفراج
يناير 2015: «إذا كنت ترغب في شراء أرض تبني عليها بيتاً، فتريث، فإن أسعار العقار ستنهار قريبا»، هذا ما كتبه وقاله مجموعة من الاقتصاديين الجدد، وبعد أشهر، عاد ذات المحللين الاقتصاديين، وكتبوا: «لا يبدو في الأفق ما يشير إلى نزول قريب في أسعار العقار، وبالتالي فعليك أن تستغل فرصة ركود العقار، وتشتري بالأسعار الحالية!»، ولست هنا في وارد المزاح، فهذا ما تتجلى عنه عبقرية الاقتصاديين الجدد، والذين لا ندري من أين جاؤوا، ولا أين درسوا، وهم في الواقع « محلحلين» لا «محللين»، إذ هم مجموعة من الهواة، من محبي الشعبية والشهرة السريعة، ووجدوا مبتغاهم في «تويتر»، إذ ما على أحدهم إلا أن يسبغ على ذاته كل ما يريد من ألقاب، من خلال منشن العرض في حساب تويتر، ثم يكون الهدف التالي هو جذب أكبر عدد من المتابعين، والمتابعون في مجتمعنا لا يجذبهم الصادق الأمين، بل السوداوي المتشائم، والناقد لكل شيء، وهنا يكون شن قد وافق طبقة.
الاقتصاديون الجدد - يا سادة - هم ورثة فلول محللي «سوق الأسهم» إبان مجده، ولعلكم تذكرون حينها أنه صار هناك محلل اقتصادي لكل مواطن، حتى صارت هناك عروض في بعض مواقع الانترنت الاقتصادية تقول: «تابع المحلل الفلاني، واحصل على محلل آخر مجاناً»، ولا شيء يطرب «المحلحلين الاقتصاديين» الجدد مثل أن تستشهد المعارضة السعودية وأعداء المملكة بالخارج بآرائهم العبقرية، كدليل على الأوضاع الاقتصادية السيئة للمملكة، وهنا يتباشر «اقتصاديو أبوريالين»، ويروجون لاستشهاد المعارضة بآرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كدليل على وصولهم للعالمية، والتي لم تعد صعبة ولا قوية عليهم، فأحدهم كتب أن الأراضي البيضاء بالمملكة لو وزعت على المواطنين، لتمكنت الدولة من توزيع خمسة عشر مليون قطعة أرض، وما إن وصل صدى حديثه لمحلل آخر، حتى زايد عليه، وأكد أن عندنا من الأراضي ما يكفي لكل سكان العالم الإسلامي، وسكان دولتي فنزويلا ونيجيريا، وكل هذا والمواطن المسكين يتحسر، ويتمنى لو تم تعيين هؤلاء العباقرة في مناصب تمكنهم من تحقيق هذه الأحلام الهبنقية.
الاقتصاديون الجدد، والذين تتراوح تجاربهم بين معد برامج كمبيوتر لألعاب الأطفال، ومتقاعد من شركة كبيرة، عهد عنها عدم الاستغناء عن الكفاءات المتميزة تحت أي ظرف، وثالث استغني عن خدماته من قبل مؤسسة مالية كبيرة، لا زالوا يواصلون تحليلاتهم وتجلياتهم، التي تتواءم مع ما يطلبه المواطن، وهم أدركوا، كما أدرك أخ لهم من قبل، أن السوداوية، والنقد بالحق وبالباطل، هي الطريق إلى المجد والشهرة، والأتباع، وبالتالي فانتظروا منهم مزيداً من الإثارة، والتجلي، مثل أن يكتب أحدهم أن رسوم الأراضي البيضاء لن تجدي نفعاً، مع أنه هو من كتب لسنوات عن أهمية فرض الرسوم لخفض سعر الأراضي، ولكن لا يهم، فالمواطن ذاكرته قصيرة، ويبحث عن إثارة جديدة، وتجل عبقري جديد من عباقرة الاقتصاديين الجدد، والمثير هو أن الاقتصاديين الحقيقيين لا يسمع لهم أحد، وسط سيطرة مطلقة للمتطفلين على الاقتصاد على المشهد، وطالما أن الاقتصادي الحقيقي لن يتنازل عن مبادئه الراسخة، وعلمه المؤصل، لأجل نزوة شهرة عابرة، فهنيئاً لكم تجليات عباقرة الاقتصاد الجدد، أو ما يطلق عليهم محللي «أبو ريالين»!.