أ.د.عثمان بن صالح العامر
في مطلع جلسة مجلس الوزراء الاثنين الماضي 13-11-1437هـ، رحّب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بحجاج بيت الله الحرام الذين بدءوا بالتوافد من كلِّ فجٍّ إلى بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام. ووجّه - رعاه الله - مختلف الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بخدمة حجاج بيت الله الحرام بمضاعفة الجهود، وبذل كل ما من شأنه التيسير على ضيوف الرحمن لأداء فريضة الحج، وأهمية التنافس والتسابق في خدمة قاصدي الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والقيام بالمزيد من الأعمال الجليلة في سبيل هذه الرسالة العظيمة التي تتشرف بها المملكة قيادة وشعبًا، وتنفق المليارات على مشروعات وأعمال توسعة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وتذليل كل الصعاب منذ بدء منح التأشيرات للحجاج عبر سفاراتها في الخارج، مرورًا بالمنافذ البرية والجوية والبحرية، حتى عودتهم إلى أوطانهم بعد أن يمُنّ الله عليهم بأداء فريضة الحج.
وأوصى - حفظه الله - حجاج بيت الله الحرام بالتفرغ للعبادة وأداء مناسك الحج والبعد عن التصرفات التي تخالف تعاليم الدين الإسلامي، وهذا ما أردت الدندنة حوله في هذا المقال.
هناك من الحجاج - خاصة الموالين منهم للنظام الإيراني -، مَن يحاول أن يجعل من موسم الحج مناسبة للمزايدات السياسية والهتافات العنجهية والشعارات الكذابة المراوغة، وليس هذا اجتهاداً جديداً في خطاب الملالي ولا هو أمراً طارئاً في أجندة الساسة الإيرانيين الفرس ومن والاهم من العرب المبتورين، بل هو من صلب النظرية الخمينية المبثوثة في ثنايا ما صدر منه من أقوال وتصريحات، ومن ذلك قوله مثلاً: « الإسلام دين عبادته سياسة، وسياسته عبادة، والآن إذ يجتمع المسلمون من شتى بقاع الأرض حول كعبة الآمال لحج بيت الله، وللقيام بالفرائض الإلهية وعقد هذا المؤتمر الإسلامي الكبير، في هذه الأيام المباركة، وفي هذه البقعة المباركة .. يتوجب على المسلمين الذين يحملون رسالة الله تعالى أن يستوعبوا المحتوى السياسي والاجتماعي للحج، إضافة إلى محتواه العبادي».
إنّ إعلان «البراءة من المشركين» عند الخميني، واجب عبادي سياسي، وهو من أركان فريضة الحج التوحيدية، وواجباتها السياسية التي بدونه «يكون الحج صحيحاً».
وبناءً على هذه المُسَلَّمة العقدية الخمينية، وعلى ضوء هذا النص الموجَّه والمؤصّل لتوظيف الحج سياسياً، يكتب « السيد طالب الخرسان» مندداً بموقف حكومة المملكة العربية السعودية السلبي - طبعاً في نظره - من مسيرات الإيرانيين الموالين للخميني حج عام 1407هـ ما نصّه: «... إنّ الشعارات التي رفعها الحجاج الإيرانيون في مكة المكرمة هي: «الموت لأمريكا» و«الموت لروسيا» و«الموت لإسرائيل» و«يا أيها المسلمون اتحدوا»، كما أنهم حرقوا العلم الأمريكي على سطح مبنى رسمي لإدارة البرق والبريد والهاتف، وشدد المتظاهرون - وعددهم حوالي مائتي ألف - بلافتاتهم وهتافاتهم وشعاراتهم على ضرورة تحقيق الوحدة الإسلامية وتمتينها وعدم الاستكانة لأعداء الله أو الخضوع للشرق أو الغرب ...»، وكأنه يقول إن هذا لا يتعارض مع الحج لبيت الله الحرام، بل هو من مقاصد هذه الشعيرة العظيمة وهدف أسمى من أهدافها، ولا أعلم أين ذهب قول الله عزّ وجلّ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ. (197) سورة البقرة.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذلّ أعداءنا، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمِه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، وبلِّغ الحجيج بغيتهم، ويسِّر أمرهم، وأرشدهم إلى سواء الصراط المستقيم، وردّهم إلى أهلهم سالمين آمنين غانمين، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.