د.محمد بن سعد الشويعر
أقدم للقارئ بعض الحكايات والقصص حتى يستأنس بها، ويتسلى ويتفكر في كثير من الأمور، ويحدث بها نفسه وغيره؛ لأن كل كائن حي في الدنيا يحرص، ويهتم بالحياة، ويرهبه شبح الموت، ويتضايق من سماعه، حتى في القصاص الشرعي بين البشر، وهذا من الإحسان الذي كتبه الله، وهو سبحانه يحب المحسنين.
يروى في الأحاديث الإسرائيلية، أن ملك الموت، إذا حان وقت وفاة النبي أنه يدخل عليه ويسلم عليه ويخبره بما جاء من أجله، وضربوا أمثلة بموسى وداود وسليمان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأحاديث الإسرائيلية، لا تصدق ولا تكذب، وحدثوا عنهم ولا حرج.
قال بعض أهل العلم: لا تكذب لئلا يكون في شرعنا ما يؤيدها، ولا تصدق لئلا تكون مكذوبة، لكن شريعتنا كاملة، ولسنا بحاجة لما جاء في كتبهم، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من كتب أهل الكتاب، فغضب صلى الله عليه وسلم، وقال له: (أفي شك مما جئت به يا ابن الخطاب، والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي) فرماها عمر وقال: أستغفر الله.
وقد جعل الله سبحانه في الموت موعظة، ليعرف الإنسان مصيره، حتى يستعد له، ويأخذ أهبته، لما جاء في الأثر: كفى بالموت واعظاً، ورسول الله قد أباح لأمته زيارة القبور للرجال دون النساء، وقال: لأن الزيارة تذكركم الآخرة، وعلل بعض العلماء عدم السماح للنساء بزيارة القبور، لعواطفهن مع رقة القلوب وعدم التحمل، لكنه أباح لهن الصلاة على الجنائز.
وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمني الموت، في قوله:(لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ مسه، بل يقول: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وأمتني إذا كان الموت خيراً لي) حديث صحيح.
والنفس ملك لله، ويحرم قتلها، كما أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن قاتل نفسه في النار، وأنه يجؤها بالحديدة التي جعلها مزهقة لنفسه في نار جهنم، أو كانت سماً يتجرعه بها في نار جهنم، وفي حجة الوداع، جاء في خطبته صلى الله عليه وسلم، يوم العيد الأكبر: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، اللهم أشهد هل بلغت؟) قالوا: نعم فأشهد ربه عليهم.
والإنسان الذي أكرمه ربه، وميزه بالعقل، وفضله على كثير مما خلق سبحانه، وجعله رمزاً للحياة على وجه الأرض، وما تنبئ عنه من عبادة وشكر لله، وقد نهى الإسلام عن إلقاء النفس في التهلكة، كما أبان الله، في القرآن الكريم في سورة النساء عن ثلاثة جزاءات شديدة لمن يقتل نفساً مؤمنة، كل واحد منها أشد من الآخر، حتى تبقى النفس المؤمنة مصونة محترمة، في حماية الوعيد الشديد
يقول سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) (92 - 93) سورة النساء.
وفي إحدى الغزوات،كان حب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسامة بن زيد قد قتل رجلاً بعدما قال: لا إله إلا الله، وأخبر رسول الله فعاتب أسامة فقال: إنما قالها متعوذاً، فقال: هل شققت صدره؟ هل علمت ما في قلبه؟ كيف بك إذا جاءتك لا إله إلا الله تحاجك عند الله، قال: فما زال يرددها؛لحرمة دم المسلم، فقال أسامة:وددت أن أمي لم تلدني بعد من تكرار الرسول هذا الوعيد، وتبلعني الأرض. ومع هذا التشديد في حماية النفس البشرية في الإسلام، فإن كثيراً منهم إلا من رحم الله - يدفعون بأنفسهم إلى الموت، ويضيعون جزءاً من أوقاتهم الثمينة، ويقتطعون أوصالاً من أعمارهم ولا يشعرون بنفاسته ولا يهتمون به، لأن العمر هو الوقت، فإن من يضيع وقته بدون عائد على نفسه أو على أمته بالنفع، فقد ضيع جزءاً من عمره يقربه من الموت، يقول الشاعر:
إذا مرّ بي يوماً ولم أصطنع يداً
ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري
والوقت هو الحياة كلها، لأن دين الإسلام لم يحدد وقتاً للعب والفراغ، بل جعل الله النوم سباتاً: أي راحة للبدن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول لمؤذنه بلال: يا بلال أرحنا بالصلاة، والذي يعرف قيمة الوقت يشغله فيما يفيد: علماً وتعليماً، وعبادة وتأملاً، ويعطي نفسه وأهله حقهما، كما حصل في قصة المتبتلين من الصحابة فلامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعهم بشدة، وقال لهم: أما إني أخشاكم لله، فإني أصوم وأفطر وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، وقال: إن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه.
وللحديث صلة ....