محمد المنيف
ما سأتطرق له اليوم لا يعني الفن التشكيلي الذي تزخر به المنطقة الشرقية حاليًا، وما تحتضنه المنطقة عامة ومحافظة الدمام على وجه الخصوص من أسماء وتجارب وحضور محلي وعالمي، وإنما ما يمكن أن نسميه مرحلة التأسيس والريادة لفنانات المنطقة.
فمن محاسن المصادفات أن تقع عيني وأنا أبحث عن كتاب في مكتبتي الخاصة على كتيب صغير في حجمه كبير في محتواه، يحتضن أولى خطوات التشكيليات في محافظة الدمام عام 1404هـ/ 1984م، أصدرته الجمعية النسائية الخيرية للخدمات الاجتماعية لأول معرض لفنانات المنطقة الشرقية من إنتاج مرتادات مرسم الجمعية النسائية لفنانات المنطقة.
الجميل في الأمر أن كلمة الإصدار بقلم الفنان التشكيلي الفنان محمد السليم - رحمه الله -، وأثنى فيها على الفكرة، وعلى جهود الجمعية، وأضفى ثناءً آخر على الفنانة الرائدة منيرة الموصلي التي تشرف على المرسم، قائلاً: «ظاهرة جميلة ورائدة تقوم بها الجمعية النسائية الخيرية بالدمام، فهي المرة الأولى على مستوى المملكة أن يتم تنظيم معرض للفنانات السعوديات، ومن خلال مرتادات وعضوات الجمعية». ويكمل كلمته قائلاً: «وأملنا أن تكون هذه المبادرة قدوة يحتذى بها في جميع مناطق المملكة».
تضمن الكتيب أسماء المشاركات في المعرض، وجاء على قسمين: الأول للمحترفات ممن لهن خبرات وحضور في تلك الفترة، مثل الفنانة منيرة الموصلي والفنانة بدرية الناصر والفنانة زكية الصقعبي والفنانة منى النزهة. تلا ذلك صفحات لبقية مرتادات المرسم، وعددهن أربع وعشرون متدربة، لم يستمر منهن أحد في الساحة. كما أشير في نهاية الإصدار إلى لجنة تحكيم الأعمال؛ إذ ضمت اللجنة الفنانة صفية بن زقر وعددًا من المتخصصات المقيمات، ممن يعملن في قطاعات تعليمية واجتماعية.
هذه المصادفة التي منحتني تصفح هذا الإصدار المتواضع في شكله وطباعته، والكبير في توثيقه لتلك الفترة ومَن كان فيها من التشكيليات للمقارنة بين مرحلة كان فيها الفن التشكيلي في المنطقة الشرقية يتلمس خطواته في محيط لم يكن بحجم ما أصبح عليه هذا الفن اليوم، كما يكشف الدور الكبير الذي عملت عليه الفنانة الرائدة منيرة الموصلي التي قال عنها الفنان السليم في كلمته: «إن ظهور هذا التحرك وإنشاء المرسم بمساهمة الفنانة منيرة الموصلي الوجه الجديد المليء بالحماس لدفع عجلة الحركة التشكيلية في المنطقة الشرقية»، ووصفها بالوجه الجديد في تلك الحقبة الزمنية؛ لتصبح اليوم من أهم وأبرز من شارك في تأسيس الحراك التشكيلي السعودي، وكأنه بوصفها بالمتحمسة لهذا الفن استشرف مستقبل دورها ودور من عمل معها من التشكيليات رائدات البدايات (بدرية الناصر، زكية الصقعبي ومنى النزهة).
كما أن مثل هذه الإصدارات تعيدنا إلى رصد من استمر ومن تراجع، ممن كان له حضور في بدايات هذا الفن بشكل فعال في المناطق التي اهتمت بالمعارض أو إنشاء المراسم، كالرياض والمنطقة الغربية (جدة). فمن المؤسف أن كل ما يوثق تلك البدايات قد أتلف بعد انتقال الثقافة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الثقافة، وواجهت الكثير من الصعوبة عند بحثنا في المستودعات التي خلت من كل شيء من تاريخ هذا الفن إلا ما تم الاحتفاظ به لدى الفنانين.