د.عبدالإله ساعاتي
أنجب هذا الوطن المعطاء كفاءات وطنية تميّزت بالمساهمة النوعية في التنمية الوطنية في مختلف المجالات.. ولعل من أبرزها مجال التعليم العالي.. وظل من سمات الوفاء تكريم هذه الكفاءات الوطنية عندما تترجل عن المنصب.. ومن هؤلاء معالي البروفيسور أسامة بن صادق طيب مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأسبق الذي أحيل إلى التقاعد.. وأقامت له الجامعة مؤخراً حفلاً تكريمياً كبيراً.
وأما وقد ترجل الدكتور أسامة عن منصبه.. فلا بد لي من كلمة حق في حق رجل خدم وطنه بتفان وإخلاص وتميز.. وبمناسبة تكريمه.. وأتحدث دون حرج بعد أن ترك الرجل المنصب.
فعندما يأتي التكريم لرجل في قامة معالي البروفيسور أسامة بن صادق طيب، بعد انتهاء فترة عمله كمدير لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة للمرة الثالثة فلا غرابة في ذلك، بل ومن الواجب على جامعتنا العريقة جامعة الملك عبدالعزيز أن تبادر بتكريم مثل هؤلاء الرجال الذين خدموا الوطن من خلالها بكل جهد وإخلاص وهذا ما دأبت عليه الجامعة وما أكده معالي الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبيد اليوبي مدير الجامعة الحالي، الذي أبى إلا أن يقيم حفلاً استثنائياً يليق بمكانة وحجم البروفيسور طيب، عرفاناً وامتناناً بما قدمه طوال فترة إدارته للجامعة من إنجازات إستراتيجية نوعية غير مسبوقة تحققت وفق منهجية علمية مدروسة، في سياق الهدوء العلمي بعيداً عن أي ضجيج.
تؤكد ذلك الحقائق الماثلة التي نلمسها على أرض الواقع، فلقد بلغت الجامعة (العالمية) وفق المعايير العلمية الدولية، كما بينت نتائج أشهر وأهم التصنيفات العالمية، حيث جاءت الجامعة في المركز (201) على مستوى جامعات العالم في تصنيف (شنغهاي) العالمي الشهير، والمركز (351) في تصنيف (التايمز) العالمي، وتقدمت الجامعة في أبحاثها العلمية كماً ونوعاً، وتميزت ببرامجها العلمية ومراكز أبحاثها النوعية.. وبتطبيقها لمعطيات الجودة والتخطيط الإستراتيجي وتحقيقها تطوراً نوعياً في العمل الأكاديمي.. أرسى قواعده الدكتور طيب.
إنجازات كمية ونوعية غير مسبوقة حققتها جامعة الملك عبدالعزيز في عهد الدكتور أسامة طيب وامتداداً للإنجازات المتلاحقة التي شهدتها الجامعة في عهد معالي البروفيسور أسامة طيب، أنشئ (الوقف العلمي) الذي يعد أول وقف علمي كأول جامعة في الشرق الأوسط تتبنى موضوع الأوقاف العلمية، ومن خلاله أطلقت الجامعة مشروع (منارات المعرفة) وهو عبارة عن منظومة معمارية تتضمن عدداً من الأبراج والعمائر والمجمعات التجارية والخدمية والحدائق، على مساحة قدرها 1.1 مليون متر مربع على الجانب الشرقي للجامعة، وبتكلفة قدرها 15.5 مليار ريال. وتستهدف الجامعة من هذا المشروع الإستراتيجي العملاق توفير مورد ثابت لدعم البحث العلمي، إضافة إلى نقل المعرفة والابتكارات العلمية العالمية.
أذكر أني عندما التحقت بالعمل في الجامعة تعرّفت على الدكتور أسامة، القائد الإداري المحنك والحازم عندما يحتاج الأمر إلى الحزم، فالدكتور أسامة بلا شك يتمتع بذكاء عالٍ ورؤية مستقبلية وفكر نظيف، ولا شك أن الخبرة الطويلة والثرية التي اكتسبها من خلال عمله كوكيل ثم عميد لكلية الطب ثم وكيل للجامعة فمدير عام لمستشفى بخش ثم مديراً للجامعة على مدى 12 عاماً، قد أثرت في تكوين شخصيته، ومكنته من تحقيق إنجازات تاريخية كبيرة في الجامعة، بل إن الإنجازات الإنشائية وكذلك التعليمية التي حققتها الجامعة في عهده غير مسبوقة، فالجامعة في عهده ورشة عمل لا تهدأ، وبلغت العالمية علمياً وفق مقاييس Times و QS وشنغهاي، ولا يمكن للجامعة أن تحقق ما حققت ما لم يكن لها قائد مميز، والدكتور أسامة طيب كان قائداً مميزاً وناجحاً.
ولعل مما تميز به الدكتور أسامة دعمه الكبير لمن يرغب في تحقيق إنجاز يخدم به الجامعة وطلابها، حيث يدعمه ويوفر له الإمكانيات اللازمة، فعندما كنت في كلية المجتمع وطرحت على معاليه فكرة إبرام اتفاقيات تعاون أكاديمي مع كليات مجتمع أمريكية، وجدت منه كل الدعم حتى تحقق الأمر بفضل الله ثم بفضل دعمه، وكذلك دعم وكيله آنذاك معالي الدكتور عبدالرحمن اليوبي.
وعندما كلفني بتأسيس كلية الأعمال برابغ أبلغته برغبتي في الاستفادة من الخبرة الأمريكية ودعوة شخصية أكاديمية أمريكية لمساعدتنا في وضع أفضل المناهج العلمية للكلية، وبالفعل دعونا عميد كلية الأعمال في جامعة أوكلاهوما الأمريكية.
ورغم أن البعض يظن أنني صاحب فكرة برنامج ماجستير الإدارة الرياضية، إلا أن الحقيقة هي أن الدكتور أسامة طيب هو صاحب فكرة البرنامج، وهذا يعكس بعد نظر الدكتور، فالبرنامج يعد من البرامج المميزة، ولا يزال الوحيد الذي يقدم من خلال كلية الأعمال على مستوى الشرق الأوسط، وهو التوجه العالمي، فالرياضة حالياً هي اقتصاد وإدارة وتسويق الاستثمار، وهي صناعة قائمة بذاتها لها مقوماتها واحتياجاتها. والحقيقة هي أن ما تحقق في كلية الأعمال سواء في رابغ أو في جدة إنما هو بفضل الله سبحانه وتعالى أولاً وأخيراً، ثم بفضل دعم الدكتور أسامة طيب والدكتور عبدالرحمن اليوبي المدير الحالي لجامعة الملك عبدالعزيز.
ولقد ساهم الدكتور أسامة طيب في توسيع قاعدة التعليم العالي على مستوى المملكة، حيث كان في فترة سابقة مديراً لأربع جامعات في وقت واحد. فإلى جانب جامعة الملك عبدالعزيز كان مديراً لجامعة تبوك وجامعة جازان وجامعة الحدود الشمالية، حيث قاد عملية تأسيس هذه الجامعات الثلاث حتى استقلت حالياً.. وهي شواهد على ما قدم الدكتور أسامة طيب لبلده.. وفي نفس الوقت هي ثقة عليا وإنجاز كبير لم يسبقه إليه أحد في تاريخ الجامعات السعودية.
أخيراً، أسجل فخري بجامعة الملك عبدالعزيز وامتناني لمديرها الحالي الوقور الذي لا يألو جهداً في سبيل تكريم وتقدير من خدم الجامعة، وهذا ديدن الكبار عندما يقرّون بإنجازات الكبار، ودعائي لهما أن يكلل الله تعالى جهودهما بالتوفيق والسداد، وأن يوفّق الجامعة وكل جامعاتنا السعودية إلى كل نجاح وازدهار.