أحمد المغلوث
وقف يطالعها بحب، وهي عائدة من المدرسة، والأطفال الصغار في زقاق الطريق المؤدي لبيتهم يتراكضون حولها وهم يتابعونها سعداء بقدومها ويتأملون عباءتها الجديدة، هذا أول يوم يشاهدونها بالعباءة وشعرها الطويل يتدلى من خلال ضفيرتيها السوداء، حذائها، حقيبتها المدرسية كل شيء فيها اليوم له شكله المميز. ارتفعت أصوات الأطفال مرحبة بها، وكل واحد منهم يحاول لمس أطراف العباءة الحريرية، وهو يغبطهم لقربهم منها، أما هو فوقف بجانب «العاير» محتار وحاير وهو يرى جمالها وسحر عينيها لكنه لا يستطيع أن يبدي إعجابه بها ولا حتى أن يقترب ليشاهد عن كثب شعرها الأسود.. العباءة ملفتة للنظر.. إنها تختلف عن العباءات الأخرى.. هذا واضح من لونها الأسود الذي تصدر منه لمعة تكاد تضيء، عكس عباءة والدته وشقيقته، لونها أسود طافي.. تمنى لو اقترب منها ولمست أنامله عباءتها وتحسس نعومتها، أراد أن يعرف الفرق بين نعومة عباءة والدته وعباءة مريم..؟! عباءة ملفتة للنظر، إنها رائعة حقا، وزادت جمالها جمالا.
لقد كبرت مريم وبات عليها أن تلبس العباءة.. خلاص دخلت عالم البنات من بابه الواسع.. يذكر جيدا عندما كبرت شقيقته فوزية، لقد عرف ذلك عندما أحضر والده لها عباءة من سوق القيصرية بالهفوف، لحظتها زغردت والدته وحتى أم مريم جارتهم عندما راحت شقيقته تجرب العباءة وتسير بخيلاء في رواق البيت وكانت تداري ابتسامة الفرح والسعادة التي كانت ترسم على ملامحها ألوانا من البهجة الواضحة.. لحظات ما زال يذكرها جيدا.. بل برزت أمامه الآن بصورة واضحة وجلية وهو يشاهد الحلوة مريم مرتدية العباءة تملكته رعدة كادت تفقده التماسك وتسقط من بين يديه حقيبته الخضراء التي تحمل علامة (أرامكو) التي يعتز بها فهي من الحقائب النادرة أيامها.؟! فدنى من الجدار ليحتمي به من السقوط ويصطلي بنظرة مريم إليه من بعيد.. وراح يرنو إليها صامتا.. متطلعا..
وفي ذات الوقت عاجز عن وصف مشاعره وأحاسيسه لحظتها.. عاودت مريم النظر إليه من بعيد وهي تدلف إلى السباط المؤدي لبيتها. وشعر أن قلبه قفز من صدره وراح يسير خلفها، وهو يصغي لخطواتها ويكاد يشتعل انفعالا ويتنفس لهفة وحب. حتى إذا دخلت البيت.. عاد قلبه إليه مضطربا؟! مضت لحظات وهو لا يعرف كيف احتمل الموقف وكيف عاش المشهد وكيف قفز قلبه من صدره وسار خلفها.. وكيف عاد بعد ذلك بهذه الحالة المضطربة الوجلة..؟! دخل بيتهم ووضع حقيبته المدرسية في (روزنة) الرواق وصعد إلى سطح البيت حيث غرفة (الفرش) وكانت تستخدم كعادة جميع بيوت المدينة لوضع (فرش النوم) فيها بدلا من إنزالها وإعادتها يوميا إلى السطح، في هذه الغرفة يحلو له الخلوة مع نفسه ومع مجلاته التي يحبها.. سندباد وبساط الريح.. وحتى مجلات ميكي.. تمدد على (دوشقه) المفضل مستندا على المسند الأبيض المطرز بالورود والأوراق الخضراء، نظر إلى الوردة المطرزة والتي أبدعت أنامل جدته في تطريزها على المسند وفي كل زواياه الأربعة.. وتمنى لحظتها لو تحولت هذه الوردة إلى وردة حساوية حقيقية لها عبيرها وشذاها لأسرع وقطفها وراح راكضا ليقدمها لمريم، بمناسبة لبسها اليوم عباءتها الجديدة. كان هذا الخاطر يلوب داخل نفسه وهو يبتسم.. بعدها تمدد على (الدوشق) وراح يحلم.. أحلام يقظة لا تنتهي ؟!
تغريدة: قالوا وما أروع ما قالوا: قافلة الوطن تسير، والكلاب الحاقدة تعوي..؟!