محمد آل الشيخ
كل المؤشرات ومواقع رصد توجهات الناخب الأمريكي تؤكد أن السيدة كلينتون ستفوز إلا أن حصل طارئ قبل بداية التصويت يخلط الأوراق ويذهب الناخب الأمريكي إلى تغيير توجهاته والتصويت للمرشح الجمهوري «رونالد ترامب».. وأنا هنا سأجاري الراهن من التوقعات وأحاول أن استشرف واقع منطقتنا فيما لو فازت كلينتون وعادت مع زوجها الأسبق «بيل كلينتون» مرة أخرى إلى البيت الأبيض.
السيدة كلينتون كما هو معروف شغلت منصب وزير الخارجية في فترة الرئيس أوباما الأولى، ويمكن القول إن توجهها مثل توجه الرئيس أوباما، يؤمن أن أفضل الحلول لحصار الإسلام المسيس الراديكالي -(إسلام الغلاة)- هو العمل على تمكين التأسلم السياسي المعتدل وغير المتشدد والمتماهي مع الديمقراطية من السلطة السياسية. وهذا محور تخوفاتنا من عهد كلينتون، التي لن تكون في المحصلة ببعيدة عن منهج أوباما السياسي في منطقة الشرق الأوسط تلك المرحلة التي انتهت بالمنطقة إلى أنها أصبحت مصدرا من مصادر الإرهاب المتأسلم في العالم من أقصاه إلى أقصاه.
الإرهاب المتأسلم لم ينبت دونما أسباب، ولم ينزل علينا من المريخ, لكنه كان نتاجا متوقعا للتأسلم السياسي؛ ويخطئ من يظن أن هناك تأسلماً سياسياً راديكالياً وآخر منفتحاً أو معتدلاً؛ فمجرد أن تدخل الدين في السياسة، فإن الراديكالية ستطفو على السطح تلقائياً. أوباما كما هو معروف دعم جماعة الأخوان على رؤوس الأشهاد في مصر، وضغط على الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك» لأن يتنحى عن المشهد السياسي، وصفا الجو لجماعة الأخوان لأن يصلوا لسدة الحكم، وما هي إلا سنة واحدة حتى اقتنع أغلبية المصريين أن الدين شيء والسياسة شيء آخر، فامتلأت شوارع مصر وميادينها بالمصريين يطالبون بتدخل الجيش وتنحية هؤلاء القادمين من تلافيف التاريخ بنصوصهم، ينفضون عنها الغبار، يريدون أن يطبقوها في القرن الواحد والعشرين.
وكل ما نخشاه أن يعود مع كلينتون محاولات تمكين جماعة الأخوان مرة أخرى، وتعود بذلك عاصفة الربيع العربي الدامي، على اعتبار أن جماعة الإخوان التي صنفتها كثير من الدول العربية على أنها جماعة إرهابية، هي في القاموس الأمريكي تمثل الإسلام المعتدل.
الذي يجب أن يعرفه الأمريكيون أن (كل) حركات العنف الإسلامي بمختلف أنواعها ظهرت من تحت عباءة جماعة الأخوان، وأن هذه الجماعة تدعي (الاعتدال) كتكتيك مرحلي، وإلا فهي منذ نشأتها جماعة إرهابية، انتهجت في بدايات تأسيسها العمل العنفي، واغتالت كثيرا من الشخصيات السياسية المصرية التي تختلف معها، كما أنها أول جماعة متأسلمة حولت (الجهاد) في الإسلام من كونه حربا ترتبط ارتباطا وثيقا بمن يملك زمام الأمر - ولي الأمر- إلى أنه أصبح اغتيالاً فردياً، فانتشر بسببها مفهوم الإرهاب بين المسلمين على أنه ضرب من ضروب الجهاد المشروع. وجماعة الإخوان على علاقة وطيدة بجماعات الجهاد الإسلامي؛ بل يمكن القول إن الجهاديين المتأسلمين هم الجناح المسلح لحركة الإخوان، كما كان (الحرس الخاص) في الأربعينات من القرن المنصرم هو الجناح المسلح للجماعة.
وكما كنت أقول وما أزال إن الإسلام أولاً (دين)، ومتى ما أقحمنا فيه السياسة، فلا يمكن أن ينتهي الإرهاب, فالعلاج الذي لا مفر منه أن ننأى بدين الإسلام عن المماحكات الإسلامية لينتهي الإرهاب، وهذه هي الحقيقة التي لا يريد كثيرون الاعتراف بها.
إلى اللقاء