د. عبدالرحمن الشلاش
قبل أكثر من عشر سنوات كنا مع بعض زملاء العمل من السعودية وبعض الدول العربية في دورة تدريبية بالقاهرة. اقترح المركز أن ينظم لنا رحلة بحرية في اليوم الأخير من الدورة، وبالفعل وافق معظم المتدربين على الالتحاق بالبرنامج الترفيهي. عند وصولنا للمركب الذي سيقلنا وبعد لحظات من دخولنا، جلسنا جميعاً في الدور الأول بعدها بقليل بدأ البرنامج الغنائي فقام ثلاثة من زملائنا بالاحتجاج وطالبوا بإيقاف البرنامج، إلا أنّ المشرف واجه طلبهم بالرفض القاطع بحجة أن البرنامج قد أُعدّ سلفاً، وهناك مشتركون يرغبون فيه وليس من المنطق الاستجابة لبعض الأفراد على حساب الأغلبية، وحين أصروا على طلبهم من باب تغيير المنكر، اقترح عليهم أن يصعدوا للدور العلوي من المركب بعيداَ عن الموسيقى، لينهي بذلك أزمة كادت أن تتفجر على ظهر الباخرة.
حدث هذا كما رويته خارج السعودية، وفي بلد تسمح أنظمته بإقامة الحفلات الغنائية والمسرحية وغيرها في كافة المواقع . هنا داخل المملكة قد لا ينتظر أحد المتسرعين أخذ إذن مشرف أو مدير بل يبادر إلى إيقاف أي شيء لا يعجبه بنفسه. قبل حوالي سبع سنوات كنا في نادٍ رياضي تجاري في مدينة الرياض نتدرب، فأقبل رجل وشق كل الصفوف ثم قام بإغلاق جهاز التلفزيون بحجة ظهور صورة المذيعة السافرة على حد تعبيره، وعلى إثر هذا التصرف جرى تشابك بالأيادي بينه وبين أحد المشتركين، وانتهى الأمر بإعادة الوضع إلى نصابه بفتح التلفزيون!
قبل أيام قليلة تسلل بين أجهزة المشي في النادي شاب صغير وقام بكتم الصوت، وحين سألته لماذا قال إن المشاهد المعروضة مصحوبة بالموسيقى، وقد واكب هذا الحدث إقدام امرأة بقطع سلك سماعة كانت تبث إحدى الشيلات الغنائية في مكان عام. الغريب أنّ هذه الأفعال الشاذة تجد من يدافع عنها، ويمتدح من يقوم بها. يكفي أن تسمع أحدهم يقول بيّض الله وجهه، أو آخر معجب بما فعلته المرأة ليهلل لفعلها قائلاً كفو والله أنها بنت رجال.
رغم أنّ ما يقوم به هؤلاء فيه تعدٍّ على حريات الآخرين، وخرق للأنظمة، وجرأة تفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب ليغيِّر على مزاجه، ويفسد على الناس أفراحهم، ويصنّف المنكرات على مزاجه، تحكمه حماسته وعجلته دون أن يدرك أن حدود سلطته جدران منزله، وما خارجه تُعد أماكن عامة خاضعة لتنظيمات الدولة، ويجب أن تبقى كذلك ومن يتعدى حدوده يطبق بحقه النظام الرادع.