سعود عبدالعزيز الجنيدل
رحلة مع الذات، ولا سوى الذات يرافقني في رحلتي الطويلة، التي شاهدت فيها أشياءً غريبة متناقضة، صدقًا نحن نعشق المتناقضات، يخيّل للمرء استحالة الجمع بين المتناقضات ولكن من خلال رحلة الذات، اكتشفت عشقنا للمتناقضات!
حتى أنّ كلمة المتناقضات أصبحت لازمة لغوية في مقالي، فَلَو عدت للأسطر السابقة لرأيت كم مرة تكررت معي.
هل استحوذت علي حتى في كتابتي كما استحوذت على تصرفات الناس من قبلي؟ حقيقة لا أعرف، ولن أعرف.
في رحلتي مع ذاتي، لم يكن لي مواقف كثيرة أذكر فيها تفضّل الآخرين علي، حتى من أقرب الأقربين لي، فقد كانت حياتي كلها عبارة عن غربة موحشة، غربة قاتلة، وحدي من عانى منها، ولكن لم يعد الأمر مهما فرحلتي مع الذات قاربت على نهايتها.
فكرت كثيرا في حال الناس في هذه الرحلة، واكتشفت انشغالهم بأحوالهم فقط، فلا يهمهم سوى ذواتهم، وكأنّ غيرهم ليس موجودًا، ولا حاضرًا معهم، ولا يحق له الحضور في حضرتهم.
هؤلاء الناس، سيحاولون إراحة ضمائرهم، بمحاولة الحزن على فراقي، وكأن حضوري بينهم كان يهمهم، ولكنها التناقضات العجيبة التي تبدر منهم، ولعلّ هذا الحزن يكفي لكي يريحوا ضمائرهم، تلك الضمائر القاسية، والظالمة.
لكي أكون صادقًا معكم لن يعنيني كثيرًا، أو قليلا حزنكم علي، فما الذي سأستفيده من حزنكم في نهاية رحلتي؟ فلقد كنت ماكثًا معكم، وبينكم، ولكنكم لم تشعروا بي، ويبدو أنني كنت طيفًا لا يُرى ولا يُشعر بوجوده، هل تتصورون أنفسكم مكاني؟ وماذا سيكون شعوركم عندها؟ وهل تستطيعون العيش في حياة مثل حياتي التي عشتها؟ لا أتصور ذلك.
في نهاية رحلتي مع ذاتي، أردت أن أوجه لكم رسالة لعلها تجد صدى في قلوبكم، وتلامس شيئا في أنفسكم.
فكروا فيمن حولكم، في الناس الذين يحتاجون لكم، ولا تكونوا أنانيين، فكثير من الناس يكونون في أمس الحاجة لكلمة منكم تفعل أشياء كثيرة، فهذه الكلمة الحانية تكن مثل المرهم المداوي لكل ما يشعرون به، إضافة إلى سؤالكم عن أحوالهم، وتلمس حاجاتهم، فهذا كله سيكون له تأثير، ومفعول قوي، يساعدهم في أمور حياتهم، ولا تتركونهم للعزلة القاتلة، فسينتهي بهم الحال بكل تأكيد مثل حالي، التي وصلت إليها، وأتصور أنكم لا تتمنونها قطعا لهم.
أخيراً
إذا شعر الإنسان بوجوده وقيمته، سيكون كمن ملك الدنيا بأسرها، وسيعطي أفضل ما لديه، والعكس تماما، فمن لا يشعر بقيمته، فلن يقدم شيئا، وسينتهي برحلة مع ذاته بعيدا عن عالمكم، ولا أتصوركم تتمنون حدوث ذلك لمن تحبون.
رحلتي مع ذاتي استفدت منها كثيرا، وكم أتمنى أن تستفيدوا منها، ومهما يكن من أمر فرحلتي مع الذات توقفت، وتوقفت للأبد.