أواصل في هذه المقالة أيضًا تتبعي لمصطلح (الأرجل) ونحن أمام النص السادس الذي ورد فيه هذا المصطلح، وهو نص لخليل بن أيبك الصفدي (المتوفى سنة 762) ورد في كتابه الغيث المسجم في شرح لامية العجم، وفي هذا النص يعرف العروض ويتحدث عن أهميته، يقول: «العروض آلة قانونية تعصم مراعاتها الإنسان عن أن يضل في وزن شعر العرب، وهذا الاحتراز الأخير أتيت به لأن اللغة اليونانية فيها شعر... وليس الشعر عندهم ما يكون ذا وزن وقافية ولا ذلك ركن فيه، بل الركن في ذلك إيراد المقدمات المخيلة فحسب، فإن كانت المقدمة التي ترد في القياس الشعري مخيلة فقط تمحض القياس شعريًا وإن انضم إلى المقدمة قول إقناعي تركبت المقدمة من معنيين شعري وإقناعي..» وبعد هذه المقدمة التي تجعل علم العروض آلة قانونية تعصم عن أن يضل أحد - كما قال - عن وزن الشعر العربي ينبه القارئ إلى أنه إنما قال ذلك من باب الاحتراز؛ لأن اللغة اليونانية فيها شعر!! ومجرد الاحتراز له دلالة في هذا السياق؛ فالظاهر أنه كان شائعًا الحديث عن هذا الشعر، وإلا لماذا احترز خوفًا من أن ينصرف الذهن إلى أن الحديث كان عن الشعر اليوناني. أما الأمر الثاني الذي يمكن استنتاجه أن الحديث ربما كان يدور أيضًا عن هذه المقارنة بين الشعرين. وفهم الصفدي يتوجه إلى أن الشعر اليوناني لا وزن فيه ولا قافية، وأن الركن فيه إيراد المقدمات المخيلة فحسب، وهو رأي قد يكون أخذه من الشهرستاني المتوفى سنة 548هـ فقد قال الشهرستاني أن الشعر اليوناني لا يعتمد على وزن، وإن الوزن ليس ركنًا في الشعر عندهم، وأن الركن في الشعر إيراد المقدمات المخيلة فحسب؛ يقول الشهرستاني: « فمنهم الشعراء الذين يستدلون بشعرهم. وليس شعرهم على وزن وقافية ولا الوزن والقافية ركنًا في الشعر عندهم، بل الركن في الشعر إيراد المقدمات المخيلة فحسب . ثم قد يكون الوزن والقافية معينين في التخيل. فإن كانت المقدمة التي يوردها في القياس الشعري مخيلة فقط تمحض القياس شعريًا وإن انضم إليها قول إقناعي تركبت المقدمة من معنيين شعري وإقناعي، وإن كان الضميم إليه قولاً يقينيًا تركبت المقدمة من شعري وبرهاني».
ويبدو أن الشهرستاني ومثله الصفدي يخلطان بين الشعر وبين القول الشعري الذي فهمه بوضوح وتوقف عنده قبلهما الفارابي. فقد ناقش الفارابي مسائل دقيقة تتعلق بالشعر العربي واليوناني، وتوقف عند عناصر التخيل، وقد سئل عن عناصر التخيل إذا تمت في القول ولم يُبن على وزن وإيقاع محدد هل يسمى شعرًا؟ فنفى ذلك وقال: إنه لا يعد شعرًا وإنما هو: قول شعري. وبعد هذه المقدمة من الصفدي حول الشعر اليوناني التي قد توحي بمعرفة بالشعر اليوناني يورد قولاً مهمًا لابن صاعد الأندلسي، وفيه ترد الإشارة إلى مصطلح الأرجل لدى اليونانيين، وهو نص يحتاج إلى وقفة طويلة، وسأترك مناقشته للمقالة المقبلة.
- د.فاطمة بنت عبدالله الوهيبي
Rafeef 2010@gmail.com