(1)
يفتحُ بابَ قلبه كلّ صباح للحزن، يستمعُ إلى كلّ ما يؤثثُ أوجاعه الخفيّة، ثم يعتذرُ من أحبّته بأنّه في حاجة ماسة إلى أن يكون قريبًا من نفسه لسويعات فقط، فينسحبُ مزاجه العكر على بقيّة اليوم، ويفسدُ عليهم أبسط اللحظات الجميلة. منعوه.. غيروا له طريقة التعاطي مع الحياة؛ لينقذوه؛ لكنه خيّب آمالهم!
حائط المبكى الصّباحي الذي يقف أمامه كلّ يوم بإرادته، واختياره، بنى سورًا عظيمًا بينه وبينهم، وما زال يفعل!
(2)
كمن يقاوم انتفاءه من لحظة وجوديّة بكل ما أوتي من قوة، كنتُ أعيشُ بينهم في غابة المحسوبيات تلك؛ لديهم قواعد مخيفة، يسيرون وفقها لقتل الحقيقة يجب قتل صاحبها أولًا، كنتُ عصيّة على سوادهم، أنا الخارجة على النمطيّة، الرافعة شعار، كن ابن من شئت واكتسب أدبًا»
المضحك المبكي في تلك الغابة الناعمة أنّهم إذا لم يستطيعوا قتل الحقيقة وصاحبها، جرّبوا قتلَ ظله المتمرّد، فهم يعلمون جيّدًا أنَّ الظلال هي الشواهد على بقاء الأثر في كلّ تلك الأمكنة.
النّهايات لا تأتي كما يشتهون دائمًا، تلاشوا مع الوقت، ولم يبقَ من بقاياهم إلا الظلال الباهتة التي تُذكّر العابرين بأسوأ حقبة في تاريخ ذلك المكان.
(3)
أقسى ما في العزلة، أنّك ربما تموتَ وحيّدًا، هذا الوطن الذي ظلمك، وأوجعك كما تقول؛ ستعلّمك غربتك أنّه كان أحنّ عليك من كلّ تلك الأحضان العابرة. هل تشعر بأنَّ وطنًا خسرك؟! صححها إذن وقل: خسرتُ وطنًا لأنّه طلب منّي فقط أن أُقلّم أظافري حتى لا أخدشه، وألا أرفع صوتي في وجهه.
أعلى النموذج
(4)
أعترف! لستُ بارعة في مواساة المحزون وجهًا لوجه أقصى ما يمكنني فعله؛ أن أُمسك بيده، وأُطرق حُزنًا، وقلبي يتفطر، لستُ مفوهةً في هكذا مواقف، ولا أحبُّ سرد التّعليمات؛ لأنَّ الرّوح وقتها هشّة، وليستْ بحاجة إلى من يُثقل عليها، بعد أنْ وصلتها ورقة طلاقها؛كنت معها، لم أتكلم، أظن أنني لحظتها؛ مررتُ بأطول حالة صمتٍ في العالم? فكرتُ بأنّني جررتُ عليها نحسًا؛ لأن ورقتها لم تصلها إلا ذلك اليوم الذي دعتني فيه لكمتني على كتفي بخفة، وهي تحاول أن تتجلد تماسكتْ، وهي تقول لا عليكِ، خسرتُ قيدًا، وربحتُ حياتي، في النّهاية كان لابد أن يتعالج من إدمانه، وبقائي في عصمته حرام، باع البيت، وقبله باع الذهب، هل انتظر حتى يبيع واحدة من بناتي.
الجملة الأخيرة، فجّرت في داخلي براكين العالم، وبكيتُ.. بكيتُ كثيرًا؛ لأنّني لم أحتمل تلك الحقيقة، التي خبّأتها عنّّي كلّ هذا العمر؛ لتستر بيتها.
(5)
كعادتك، تأخذني بيدك؛ تسلّمني إلى السَّعادة، بعد أن توصيها بي خيرًا وترحل تهزّ رأسها لك بالإيجاب؛ لتطمئن لكنّها لا تفعل، وأنا بينكما كطفل سلّمه والده لمعلمة تبطن القسوة، عند باب المدرسة؛ تبتسم، وفي داخلها؛ تعنّفه لأتفه الأسباب.
سَأَلتْني اليوم، وأنا أصنع قهوتي وحيدة، أين أنا من روحك هذا الصباح؟ تجاهلت الإجابة على سؤالها وأخذتُ أرتلُ على مسمعي بعض قلقي، رحل الذي كان يأخذ بيدي للنور، ذاك الذي لا يعلن الصّباح إلا بيقظتي معه، ولا يحلو الصّباح إلا برائحة كلّ شيء يشاركني إياه. سمعتُ صوت الباب، وهي تصفق به غاضبة..? وبقيت أنا أحدق في الشارع أتسلى بدوزنة، وتستمر الحياة، وتستمر الحياة.
(6)
ما زلتُ أقاومِ التّفتتْ، ليس في نيّتي التّمرّد على أسلوبك البغيض، كلّما أريده أن أخرج إلى النّور مثلما يخرج جميع النّاس، قبل أن تخذلني طاقة التحمّل يا سيّدي، أنا لست أسطورة في الصّبر، فقلبي ككل المخلوقات يحزن، ويتألم عندما يُجرح، ويبكي عندما يصيبه شطط الوحدة.
ألم يكن من الأسهل عليك وعليّ أن نعيش كأي متحابين دون كرّ وفرّ? أنت حتى لم تترك لي مساحة للمناورة؛ لأنّك تعلم أنك لن تستطيع معي صبرًا.
يا سيّدي
نحن في زمن لا ينتظر المتأخرين فلا تحيلني إلى امرأة معلّقة في ذاكرة رجل لم يكن عادياً أبدا.
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي
Zakyah11@gmail.com