الكتابة عن المجهول ممتعة ومفاجئة إلى درجة الدهشة و الذهول كذلك. أعني تلك الدهشة التي تمنحنا إياها رحابة الخيال والحدس والشجاعة والانطلاق الحر وهو ما يتهيأ عن طريق السرد والبوح لاكتشاف بعض الجوانب الغامضة في الذات التي تخفى وربما تتخفى عن الوعي الشخصي بها. وأما الذهول فله علاقة بتنبؤ الكتابة وحدسها بالغيب إلى درجة المصداقية والواقعية غير المفسرة وهذا مايسبب الذهول.
ولذلك فحين أقود نفسي إلى فكرة مجهولة أوقن مع لاعلمي.. أن الجهل باب عقلها الوحيد.. به كانت وتمكنت.. فإنني أرى أنني سأتوصل إلى خبرة بل وتجربة جديدة تنتقل بي إلى قناعة من صبغة ما.
في حين أن هناك وجهة نظر للفيلسوف إميل سيوران عميقة المعنى والغاية يقول خلالها :( لماذا ليس بمقدورنا أن نصبح منغلقين في انفسنا؟. لم نتبع العبارة والشكل، طلبا أن نُفرغ من كل محتوى، أن ننظم صيرورة شواشية و تمردية؟ أليس من الثراء بمكان أن ننصرف عن سيولتنا الجوانية، بلا هم الموضوعية، ان نُحَدّ بامتلاكنا كل حدتنا الانفعالية، كل اهتزازنا العميق. عندئذ، ستندمج تجارب معاشة تتعدد وتختلف، لتنجب اضطرابًا اكثر ثراءً، شبيه بتيار المد والجزر، بفورة موسيقية. ان تمتلأ بالذات، ليس بمعنى التكابر، بل الثراء، أي ان تفعل بجوانية لا تنتهي وبتوتر اقصى، فهذا معناه ان تحيا بشدة لدرجة الشعور بالموت من الحياة. لندرة هذا الشعور ولغربته، إلى درجة أننا سيكون علينا ان نعيشه ونحن في صراخ. اشعر بان علي أن أموت من الحياة وأطالب النفس عما ان كان هناك معنى للبحث عن تفسير ذلك).
ومهما يكن فالفكرة من خلال الكلمة والكتابة غيبي الذي ظللت أركض إليه، ظننت أنني سألحق به ثم اكتشفت أنني لا أتبع سوى سراب فكرتي!.
للمجهول أبواب من اللذة لا أقاوم مفاتيحها وأنا أتفكر وافكر بها أتفكر فيها؟.
كيف للفكرة أن تتلقاني وتكلفني حياتها أو موتي واتصادم وإياها لا تقنعني بمصيرها فيّ، تصر.. لتنسل من عتبات رأسي. دون أن تتناسل. لو أنني لا أعلم بالمجهول لتعاملت معه بذاكرة غائبة. تشدني إليها كبئر انجرف معا وفيها كطوفان فلا استطيع إلي سبيلا إلا أن أتبع اثرها فلا تنقطع عني.
لوكانت الفكرة قصيدة وكنت أنا خيالها الفريد؟!.
لو كانت الفكرة مقالة تتقصد في المشي إلى لما عصرتني ألفاظها تماما كما هو حاصل الآن.
الفكرة التي تداعبني ربما تحنو علي وهي تسرج علي حصونها ،كلما أرخيت جفني . اراها دما بينما تراني هي وردة شتائية . لاتكون الفكرة وردة في احايين الحب ولاتكون دما .. تبدو قبرا أتثاقل في قراءته أو تذكره. لا لغة لي.. لا فكرة تبدولي.
الفكرة هي التي أوجدت اللغة وخصتني بها .. لالسان لي على شفاهها . لاأتوقعها دائما وتوقعني في سرابها أتوقع أن تسر إلي . فلا تسر ، بل تسرد لي جهلي بفهم عاجز ..لاأحيط بها وأنكمش في حدبة ظلمتي .
الذات فكرة تستعصي كتابتها على كل لفظ ومعنى لأن الفكرة تنمو أسر ع مما ينمو اللفظ وربما المعنى. ومع أن اللفظ خلاق وسجل تاريخه عامر إلا أن الذات تبقى سجينة سجلها الشخصي المحدود بخبراتها المرحلية الموثقة لنضوجها وربما إحباطاتها المدمرة لكل فكرة ومعنى.
- هدى الدغفق