قبل انتشار التكنلوجيا كان الإعلام يسيّر عالمياً من الرأسمال ما عدا بعض المطبوعات أو المرئيّات أو المسموعات المتواضعة والمحاربة، فتجد المراكز الرئيسية التي توفر المعلومة للأجهزة الإعلامية العالمية مملوكة للحلف الأطلسي، وتسيّر بتناغم شديد وكأن هناك قائداً أوركسترا واحداً يحرك عصاه ليوزع الأدوار على العازفين المأجورين إلا من رحم ربّي، ومن يعزف نشازاً أو خارج السياق المطلوب يتعرض للترغيب أو الترهيب أو الإقصاء أو الاتهام بشتى صنوف الكفر أو الحقد أو الرشوة أو اللواط أو الخيانة الزوجية أو الجنون.
الإعلام الرأسمالي كان ولا زال سلاحاً ممنهجاً يفضي إلى تشويه المفاهيم والمصطلحات وإعاقة أي حركة اجتماعية داخلية أو خارجية تشير إلى عيوب النظام الرأسمالي أو تدعو للتغيير.
لقد اتخذ من (الدعاية) بأشكالها المختلفة لصناعة الاستهلاك الفكري والروحي والمادّي من مصدر واحد فقط – هو النظام الرأسمالي.
كانت الدعاية مقتصرة على المنتجات المادّية، وهدفها الأول إيصال المعلومة للمستهلك حول المنتجات الجديدة أو القديمة المطورة. ولكن الرأسمال اكتشف أن الدعاية تتجاوز إيصال المعلومة إلى السيطرة على الوعي، فاستغل حاجة المستهلك للسلعة ودون أي اعتبار لدخله المحدود أو صحته أو حياته اليومية، جعل الدعاية تتحول إلى وسيلة مافيوية للسيطرة على رغبات المستهلكين، ثم اقتيادهم دون تفكير إلى الاستهلاك الأعمى.
تحويل جموع البشر سلوكياً إلى مستهلكين لم ينحصر بالسلع المادية، إنما انتشر كالوباء ليشمل النشاط الإنساني بكل ألوانه، فصناعة الرغبة لدى المستهلك باقتناء هذه السلعة أو تلك هو سيطرة على التفكير والذوق والطموح وحتى الحلم لذلك المستهلك.
اكتشاف الرأسمال لهذه الحقيقة جعله يسوّق لمضامين قاصرة أو مبهمة للمفاهيم والمصطلحات الضرورية لعملية التغيير بواسطة الإعلام، فتحولت الدعاية للسلعة إلى (بروبوغاندا) متعمدة وموجهة للتعمية على الفكر وذر الرماد في العيون وغسيل المخ.
في كتاب (السيطرة على الإعلام) لنعوم تشومسكي – أستاذ علم اللسانيات في جامعة مساتشوستس (ترجمة – أميمة عبداللطيف)
يقول تحت عنوان (الإنجازات الهائلة للبروبوغاندا) ( لنبدأ أولاً بطرح مفهومين أو تعريفين مختلفين للديمقراطية. المفهوم الأول يعتبر أن المجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي يملك فيه العامة (الجمهور) الوسائل اللازمة للمشاركة الفعالة في إدارة شؤونهم، وأن تكون وسائل الإعلام منفتحة وحرّة. إذا بحثت عن المعنى اللغوي لكلمة ديمقراطية في القاموس، فستجد ذات التعريف. أما المفهوم الآخر للديمقراطية، فهو أن يُمنع العامة من إدارة شؤونهم وكذا من إدارة وسائل الإعلام التي يجب أن تبقى تحت السيطرة المتشددة. وقد يكون هذا مفهوماً مستهجناً أو شاذّاً للديمقراطية، ولكن من المهم بمكان فهم أن هذا هو المفهوم الحاكم... وسأوضح... لماذا نقدم مشكلة وسائل الإعلام والتضليل المعلوماتي ضمن هذا السياق؟! لنبدأ أولاً بالإشارة إلى أول عملية دعائية حكومية في العصر الحديث، حيث كانت أثناء إدارة الرئيس وودرو ويلسون الذي انتخب رئيساً للولايات المتحدة في عام 1916، وفق برنامج انتخابي بعنوان «سلام بدون نصر» وكان ذلك في منتصف الحرب العالمية الأولى.
في تلك الأثناء كان المواطنون مسالمين لأقصى الدرجات، ولم يروا سبباً للانخراط والتورط في حرب أوروبية بالأساس، بينما كان على إدارة ويلسون التزامات تجاه الحرب... فقامت الإدارة بإنشاء لجنة للدعاية الحكومية أطلق عليها اسم (لجنة كريل) وقد نجحت تلك اللجنة خلال ستة أشهر في تحويل المواطنين المسالمين إلى مواطنين تتملكهم الهستيريا والتعطش للحرب!) (التضليل لتشومسكي).
- د. عادل العلي