لم يكن سوق عكاظ في الجاهلية مجرد عرضٍ للشعر؛ بل كان حدثًا يجمع ثقافة العرب، فكرًا و اقتصادًا وأدبًا؛ ولعله تجاوز كونه عرضًا للشعر فحسب بالعديد من المظاهر والأجناس الأدبية؛ كالخطابة – مثلًا - وهي الفن الذي نافس الشعرَ في جادّة عكاظ؛ وما خطبة قس بن ساعدة المشهورة إلا مثالًا لتلك المنافسة؛ ولعل الحدث الاجتماعي الأدبي الذي يربط الأدب / الشعر بالمجتمع خير مثال لهذا التنوع في سوق عكاظ؛ إذ إننا نعلم ما كان من الأعشى (صناجة العرب) مع المحلّق الكلّابي الذي مدحه بقصيدة في سوق عكاظ غيرت حياته الاجتماعية تغيرًا جذريًا.
ولهذا فإن سوق عكاظ بحلته الحالية يحقق المرمى الأساس لمثل هذه التظاهرة الثقافية الكبرى للعرب عمومًا وليس للسعودية خصوصًا، فتنوعه في برامجه الثقافية وجوائزه العديدة التي جمعت بين الأدب والإبداع والابتكار هو دليل صحة ثقافية تنبئ عن تحقيق الهم الأكبر لهذا السوق التاريخي الذي يلمس جذور الهوية العربية.
ولعل استحداث جائزة الرواية في دورته العاشرة يمثل تطورًا مرموقًا لهذا السوق الثقافي الذي يحاول جمع الأجناس الأدبية تحت عباءته؛ وإذا كان ما ينافس الشعرَ الخطابةُ في مرحلة تأسيس هذا السوق في الجاهلية فإن الرواية هي المنافس الأكبر للشعر في مرحلتنا الآنية؛ لذا فإن حضورها في الاحتفاء لهذه الدورة إنما هو مواكبة لذاك الاحتفاء بالخطابة في الجاهلية. كما أن الاحتفاء الذي امتدَّ إلى العديد من الفنون المعاصرة كالتصوير والفلكلور الشعبي والحرف اليدوية واللوحات الفنية لهو خير دليل على ذاك التنوع و الاهتمام بالأجناس الأدبية كما هو واقع السوق في مرحلته التأسيسية الجاهلية.
وقد يحقق سوق عكاظ مرحلة تطورية أخرى في سنيّه القادمة عندما يحتفي بالقصة القصيرة؛ و يواكب خيمة النابغة الذبياني بتخصيص حلقات نقدية للقصائد الفائزة والمشاركة بجوائزه المحددة.
- صالح سالم
_ssaleh_ @