عبد الاله بن سعود السعدون
لأول مرة في تاريخ تركيا الحديثة تشترك المعارضة مع الحزب الحاكم في تظاهرة كبرى في الميادين العامة وتحت شعار واحد الديمقراطية والشهداء تحت ظل العلم التركي لوحده ..وقد تجاوز عدد المتظاهرين لأكثر من خمسة ملايين تركي يهتفون بنداء واحد انتصاراً للدولة التركية ومؤسساتها المدنية واستنكارا لدكتاتورية العسكر التي جربها كل الأتراك ولأربعة انقلابات بدءا من انقلاب الجنرال جمال كورسيل عام 1960م وانتهاء بتسلط المؤسسة العسكرية على السلطة بانقلاب تزعمه الجنرال كنعان أفرين أسقط الشرعية عام 1980م وسقط مع أزيز دباباته الآلاف من الساسة والمفكرين والشباب مضرجين بدمائهم ضحايا هذه الانقلابات العسكرية التي ألغت الشرعية المنتخبة وفرضت حكمهم بالقوة المفرطة، وآخر هذه التمردات العسكرية انقلابهم الفاشل والذي صده الشعب المتحضر بصدره وأثبتت الوقائع أن هذه الصدور الوطنية الصادقة أقوى من جنزير دبابات الانقلابين حيث انتفض الشعب بكل انتماءاته السياسية والعرقية متحدياً الانقلابين رافضاً حكم العسكر والذي انكوى بناره لسنين عديدة وتلوع من الهمجية العسكرية أثناء تسلط الانقلابات الأربعة، وبتجربته لصنوف خنق الحريات وسحق كل بنود وثيقة حقوق الإنسان بأساطيل العسكر وتنفيذ أنواع التعذيب النفسي والجسدي في السجون المظلمة للدكتاتورية العسكرية.
إن وقفة الشعب التركي الشجاع ليلة الخامس عشر من يوليو الماضي تسجل ملحمة وطنية عالية بانتصار رمز العلم الواحد على الدبابة المتمردة...
وأثبتت تظاهرة يني كابي المليونية وفاء وتمسك كل الشعب التركي المؤيد منهم والمعارض تمسكه بشخصية الرئيس أردوغان وعرفان للتحول الكبير الذي شمل المجتمع التركي طيلة حكم حزب العدالة والتنمية منذ عقد ونصف. هذا الزعيم القوي الذي استطاع ترويض المؤسسة العسكرية الحاكمة طيلة قرن من الزمن وجعلت من نفسها الحامي لعلمانية تركيا الكمالية بحكم مواد الدستور التركي، واستطاع أردوغان وبحكمة القائد الصابر أن يفكك مفاتيح محرك الرغبة الجامحة للسلطة من فكر الجنرالات الأتراك، وكان الانقلاب الفاشل الأخير الصفحة الأخيرة في مسلسلات الانقلابات العسكرية كتبها الشعب التركي المتحضر الواعي بدمه وشجاعته برفض كل اعتداء على الشرعية المنتخبة.
الإنجازات الاقتصادية والسياسية التي قدمها أردوغان لأمته مع نزاهة يده وحمايته للمال العام يضيق بمساحتها مقال إعلامي وبرأيي أهمها جميعاً علم أردوغان كل الشعب كيفية حب الوطن واحترام العلم والدفاع عن مكاسب مؤسسات الدولة... أما المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية فإطارها العام التحول التام من زاوية المدين الى الدائن المتحرر من قيود الضغوط الدولية الدائنة خلال عشرة أعوام من عمر الدولة التركية فكانت تتلقى القروض من كل مصدر، والأن تمنحها لكل طالب حتى البنك الدولي يدخل في سجل قوائم المؤسسات المدانة لتركيا.. القيادة الناجحة لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم جعلت حصان الاقتصاد أمام عربة السياسة فأدركت وبسرعة قياسية المرتبة السابعة عشرة في مجموعة العشرين الدولية وارتفع دخلها القومي لفترة زمنية قصيرة لعقد واحد من الزمن من ثلاثمائة مليار دولار عام 2002م حتى بلغ تريليون ومائتين دولار هذا العام، وارتفع معدل دخل الفرد من ألفين دولار عام 2002م الى أحد عشر ألف دولار حالياً ودخلت تركيا نادي الطاقة النووية بمفاعلي أك كويو وسينوب بكلفة إجمالية لهذين المفاعلين بلغت ثمانية وثلاثين مليار دولار . ومشروعي نقل الغاز الأذربيجاني تيناب والروسي السيل الكبير بكلفة إجمالية تقدر بثلاثين مليار دولار، بالإضافة إلى حزمة من المشاريع العملاقة تتحقق متوازية مع هدف الرؤية الاقتصادية حتى عام الذكرى المئوية للجمهورية التركية في 2023م منها القناة الجديدة بين البحر الأسود ومرمرة موازية لقناة البسفور الحالية، والتي ستنشئ مدينة جديدة على ضفافها بإسطنبول ومشروع الجسر العملاق الثالث الذي سيربط أوروبا بآسيا وشبكة طرق معلقة بين إسطنبول وأزمير تختصر وقت السفر من سبع ساعات الى ثلاث فقط، وهناك قائمة طويلة من المشاريع الاستراتيجية الهامة والمقدر لها تمويل يبلغ 135مليار دولار.