د. عبدالواحد الحميد
تحدث يوسف زيدان، الروائي المصري صاحب رواية «عزازيل» الشهيرة، في مناسبة ثقافية عربية بفوقية ساخراً من الإرث الحضاري والثقافي لبلادنا زاعماً أنها لم تنجب عالماً واحداً من علماء اللغة العربية وأن سكان قلب الجزيرة العربية هم «سُرَّاق إبل».
حديث يوسف زيدان أزعج الكثيرين هنا، وانبرى له البعض مفنّداً، لكنني أعتقد أن الرجل كان من الخِفَّة وعدم الجدية بحيث لا يستحق حتى الرد عليه؛ فهو يتحدث بنفس الطريقة التي نسمعها من العوام عندنا حين يتمادى بعضهم في توجيه الاتهامات للأشقاء المصريين بشكل تعميمي لمجرد أنه تعرض للنشل في المواصلات العامة بمصر أو في أحد أسواقها الشعبية. وإذا كنا لا نستكثر من العوام عندنا اتهامهم للأشقاء المصريين بـ»النشل» بشكل تعميمي لأنهم عوام فإننا نستكثر من «مثقف» عربي مصري أن يتهم مجتمع الجزيرة العربية بمثل هذه التهمة خصوصاً أنه يطرحها بشكل إسقاطي على حاضر الثقافة الاجتماعية السعودية بشكل يُفهم منه أن عادات الغزو وغلبة القوة التي وُجِدَتْ في الماضي في معظم المجتمعات العربية وليس في الجزيرة العربية وحدها ما زالت سائدة حتى الآن في حين أن الذين يتحدثون عن «النشل»، وهو حديث نرفضه من حيث المبدأ، يشيرون إلى أمور يقولون إنها تقع الآن في القرن الحادي والعشرين.
حديث يوسف زيدان يذكِّرنا بما يقوله ويكتبه مثقفون عرب آخرون ما زالوا يدورون في حلقة مفرغة لا تنتهي مرددين حكاية «المراكز» و»الأطراف» العربية وكأن التاريخ تجمّد عند نقطة معينة لا يبرحها رغم كل التطور الذي شهدته بلدان الجزيرة العربية. فهذه الأحاديث المكرّرة البائسة هي أحد مظاهر الخدر والغيبوبة التي ما زالت بعض النخب العربية تعاني منها رغم ضراوة الحرائق التي تلتهم بلدانها وسقوط التجارب التنموية التي استجلبتها أنظمة الحكم العسكرية المتعاقبة في تلك البلدان من نماذج سوفيتية وكوبية وشرق أوروبية فاشلة.
إن ما يهم ليس هو «معايرة» يوسف زيدان لنا بأننا مجرد «سرَّاق إبل»، وإنما المهم هو أن نلتفت نحن بشكل جدي للكنوز الحضارية والثقافية التي تحفل بها جزيرة العرب التي هي مهد اللغة والشعر والحضارات القديمة. فمما يؤسف له أن البعض منا ما زال يحارب هذا الإرث الكبير ويَسْتَمْوِت في شطبه من الذاكرة مثلما رأينا منذ أيام عندما انبرى البعض لمهاجمة إحياء سوق عكاظ وهو السوق الذي يشهد لهذه الجزيرة العربية بأنها كانت سبّاقة في الأدب والشعر والخطابة والتواصل الثقافي والتجاري.
أجل، لن يروق ليوسف زيدان وآخرين على شاكلته أن يتحدثوا عنا بإيجابية فهم أسرى صورة نمطية رسموها لنا ولا يستطيعون تغييرها، لكن المهم أن ننطلق نحن بهمة وننفض الغبار عن كنوزنا الحضارية.