رقية سليمان الهويريني
لا زلت أراهن على نجاح أي مشروع وطني أو اجتماعي، من خلال الدعم السياسي الذي باستطاعته إلزام المجتمع بالرضوخ بلا جدال أو نقاش!
قبل أكثر من عشر سنوات أقرّت وزارة الداخلية للمرأة استخراج هوية وطنية تحمل اسمها وصورتها، ووضعت لها شروطاً مثل موافقة ولي أمرها وحضوره للتعريف بها، ثم تنازلت عن هذا الشرط بالاكتفاء بحضور أحد أقاربها أو تقديم جواز سفرها، ثم خففت من هذه الشروط بالاقتصار على شهادة امرأة لديها هوية وطنية. وفتحت أقساماً نسائية في بعض المناطق الحيوية لخدمة المواطنات الراغبات، ولكن الإقبال كان ضعيفاً بسبب شرط وجود صورة المرأة على البطاقة، وهو ما دعا بعض المحتسبين المتشددين بالتدخل والإنكار والدعوة بالاكتفاء بالبصمة دون الصورة، إلاّ أنّ الحكومة لم تلقِ اهتماماً لهذه الدعوات وفضّلت ترك أمر استخراج الهوية للرغبة دون إلزام!
قاومت المرأة بدافع من الرجل ورفضت استخراج الهوية بدعوى ألا حاجة لها، طالما أنها تستعين بولي أمرها للتعريف بها في المحاكم والبنوك وفي حالات البيع والشراء والتجارة، حتى ضاعت حقوق بعض النساء بسبب عنادهن ورفضهن لهذه البطاقة الذهبية!
وخلال تلك السنوات؛ كانت الحكومة تتعامل بسعة صدر أمام ذلك الرفض، حتى وصل الأمر للمساس بالأمن الوطني، وهو ما جعلها تستخدم قوّتها وإرادتها، حيث ربطت استخراج جواز السفر بتوفُّر هوية وطنية، ورفضت السحب من رصيد الحسابات البنكية إلا بها، ولا يمكن الحصول على هاتف إلا بالبصمة المربوطة بالهوية الوطنية، مما يعني شل الشؤون الشخصية والمدنية!
وبعد هذا الحصار رأت المرأة ألاّ فكاك لإنهاء إجراءاتها الرسمية إلا باستخراج هوية وطنية ممغنطة مربوطة بالبصمة، فرضخت وتوجهت لمكاتب الأحوال المدنية التي شهدت ازدحاماً شديداً، وصار الناس يشتكون من قلة مكاتب الأحوال بمدنهم وقراهم!
وفيما كانت الحكومة تدعو المرأة بنعومة لاستخراج الهوية الوطنية، صارت المرأة ذاتها تخطب ود الحكومة وتتوسل لها بالإسراع لإنهاء الإجراءات لتتمكن من تخليص معاملاتها وفك قيدها.
ولعل مسألة الإلزام بالهوية المدنية للمرأة تفتح باباً واسعاً أمام الحكومة لتستخدم إرادتها السياسية في فرض قوانينها وأنظمتها المدنية المستحدثة دون هوادة، وتضرب صفحاً عن التدخلات والاجتهادات الشخصية التي توقف عجلة التقدم وتعطل مسيرة الحضارة!