ناصر الصِرامي
جلس على كرسي عربة الإسعاف برتقالي اللون، يغطي وجهه بخليط من الدماء والتراب. هكذا تصدرت صورة الطفل السوري عمران.. لتصبح رمزًا للرعب والحرب والجرائم في سوريا.. بل في منطقتنا..!
كل ما قد يكتب اليوم تختصره صورة.. في الإعلام تعلمنا بين الدروس الأولي، أن الصورة عن ألف كلمة، لكنها اليوم أصبحت كل الكلمات.. بل هي أصل الكلام والمقال وما بعده.. هي الخبر والحدث والقصة في ذات الوقت أو جله..!
طفل بين أنقاض ما تبقى من حلب، يغطيه التراب.. دون دمعة، وبلا ملامح، أو تعابير، كل ما فعله أنه أشاح التراب عن عينه.. مصدومًا «عمران» وهو ينقل من بين الركام الباقي من الأبنية.. في أحد أزقة حلب التاريخية القديمة، التي يصر العالم على تغيير تضاريسها وتاريخها ووجودها أيضًا.. يتم ذلك بصمت وسط قنابل دولية وتجارب لأحدث الأسلحة الروسية، وبمشاركة إرهاب ملالي إيران، وكل إرهابيي العالم تقريبًا، الذي تجاوز حدود الجغرافيا الفارسية، لينشر كرهه لكل ما هو عربي، وبمشاركة جمهور عربي وميليشيا الكراهية التي لم ولن تخبو يومًا..!
لكن صورة عمران المفجوع والمصدوم وهو يشيح التراب عن عينيه أمام عدسات العالم، وليصبح الخبر الأول في نشرات العالم ووسائل تواصله اليوم.. اختبرت بعض الضمير العالمي.. وبعض المتبقى من الضمير الإِنساني..!
مذيعة تبكي على الهواء مباشرة.. ومقالات وأخبار كلها عن عمران، وعمران يوضع بفضل تقنيات الفوتوشوب على كرسي الرئاسة السورية، في الجامعة العربية، التي لاتزال حتى كتابة هذا المقال، تدرس تعديل ميثاقها، فيما التاريخ الحديث اليوم يمسح عدد من أعضائها من الوجود السياسي أو يحولها لدول فاشلة بامتياز..!
عمران.. على المقعد السوري بجامعة العرب.. وعلى المقعد السوري بالأمم المتفرقة.. عمران في كل مكان تقريبًا.. صورته من دون ملامح إلا من تراب الأرض، هي العنوان اليوم..!
لكن ماذا بعد؟!، كم عمران يحتاج ضمير العالم أو بعضه ليتحرك أو يشعر..؟!
ندرك أن الحروب هي الاختراع البشري العفن والأقذر، والخبر المحزن أنه لا مجال أبدًا لتفاديها طالما بقى بشر على هذا الكوكب.. وأن أطماع السلطة والسيطرة والمنافسة السياسية مستعدة لاستخدام كل شيء من أجل التفوق أو الحضور.. أو إشغال الشعوب والعالم لتحقق كل المآرب.. أو مآرب أخرى..!
لكن هل يمكن لبعض الضمير الإنساني أن يصحو.. أو يلتفت.. أو يغير من خريطة أطماعه..؟!
لست متفائلاً أبدًا.. ولا اعتقد أن كثيرًا سيتغير في شرقنا الأوسط المنكوب، ولعنة التاريخ حكاية أخرى أيضًا، وحيث جغرافيتنا في شرقنا الأوسط الصغير أو الكبير أو المفتت.. لا تهم العالم، إنها مجرد حقل مناسب جدًا للتجارب، لكل إرهاب العالم وأسلحته، وبكل أسف دعنى أخبرك يا «عمران».. إن منطقتنا قابلة لذلك.. جاذبة لكل قوى الشر.. ومرحبة بها من الداخل والخارج!
هي لعنة التاريخ أو الحضارات ربما، وهي مسلسل دم ورعب طويل، حتى المتفرجين منا يستمتعون بالمشاركة والمشاهدة، ويجدونها مادة جيدة للصراخ هنا وهناك..!
عفوًا يا عمران لست أجيد قراءة الكف أو الفنجان أو التنجيم ولا أومن بها، لكن ما صدمك، أو صدم بعض ضمير العالم.. مجرد صورة.. سيأتي ما هو أسوأ أو أكثر سوءًا منها.. ولن نصحو.. لأننا ببساطة يا عمران.. لا نستطيع أو لا نعرف.. أو هو قدر التاريخ والجغرافيا.. وقدر الضعفاء أيضًا..!
.. وهناك أكثر من عمران.. هناك طفل في السابعة من حلب، رسم الأطفال الموتى مبتسمين بينما رسم الأطفال الأحياء باكين..!