هاني سالم مسهور
لا يمكن وصف ما حصل في مجلس النواب اليمني سوى أنها عربدة لا تمتلك صفة واحدة من المنطق، لا يمكن تصديق أننا أمام مشهد سياسي، ولا يمكن حتى القبول بالتعاطي مع ما يجري من باب الدفع السياسي، كل ما حصل في البرلمان اليمني يعتبر إهانة كاملة بالديمقراطية وبمؤسسات الدولة بل هي جريمة بشعة بحق القانون والدستور الذي لم يعد له في اليمن من احترام.
كنتُ وما زلت عند رأي محدد منذ أعلن عن إنشاء ما سمي بـ «المجلس السياسي الأعلى» بأن الرد لا يحتاج إلى اشتداد المعركة الإعلامية التي واقعها لن يقدم أو يؤخر شيئاً، فليس من إجراء سياسي ينهي هذه الجدليات بغير أن تتواجد السلطة السياسية الشرعية المدعومة بالمرجعيات الثلاث «المبادرة الخليجية ومحرجات الحوار الوطني والقرارات الأممية» في المناطق المحررة وبالذات مأرب والجوف لزيادة الضغط السياسي على الانقلابيين.
كل الإجراءات الأُحادية التي يخطو نحوها الانقلابيون في صنعاء هي سياق مفهوم عندما نُعيد الاستماع إلى خطاب «المخلوع» علي عبدالله صالح بعد إعلان «المجلس السياسي» فهو يبحث عن مسألة واحدة هي أن يجلس في طاولة مفاوضات مع المملكة العربية السعودية، لذلك عاد إلى المشهد السياسي ويحاول من خلال محاولاته الخاسرة اختراق الحدود السعودية إظهار الصراع على أنه بين جهة سياسية يمنية وبين الجارة السعودية.
يرفض «المخلوع» صالح فكرة أن الرياض ليست طرفاً في الصراع السياسي اليمني، ويتجاهل ومعه كثير من اليمنيين أن «عاصفة الحزم» التي أُطلقت في 26 مارس 2015م وضعت أهدافها السياسية بدعم المسار السياسي في اليمن، ويمكن العودة لتصريحات الوزير عادل الجبير في واشنطن مع إعلان بداية العمليات العسكرية، كما أن الانتقال إلى عملية «إعادة الأمل» بعد ثلاثة أسابيع من العملية العسكرية يؤكد أن السعودية ليست طرفاً إنما هي داعم للعملية السياسية في اليمن.
جنون «المخلوع» صالح واستخدامه للجماعة الحوثية الجاهلة وصل إلى مرحلة ضرب كل مؤسسات الدولة، فبعد العبث غير المسؤول بودائع البنك المركزي في صنعاء، وصرف أكثر من أربعة مليارات دولار في المجهود التآمري الانقلابي وهي الاحتياطي النقدي للبنك جاء الدور على آخر مؤسسات الدولة السياسية المتبقية في اليمن، فيتم الدعوة لانعقاد مجلس النواب وبدون تصويت أو مناقشة يحصل «المجلس السياسي» على الصيغة القانونية المزعومة لتشكيل السلطة الرئاسية في اليمن.
كل الهراء الذي مارسته هذه الجماعة منذ 21 سبتمبر 2014م هو كارثة حقيقية أصبحت تمثل شرخاً سياسياً واجتماعياً في الجسم اليمني كاملاً، فما أُعلن هو تشكيل جسم ممسوخ يريدون منه أن يذهب إلى جولة المشاورات القادمة بصفة سياسية لا تُعبر عن صفتهم الانقلابية بل تكون إطاراً للدولة، فالهدف عند المجرم صالح هو التفاوض مع الإقليم سياسياً.
يتناسى «شبه المخلوع» صالح أن السعودية أعادته إلى الحياة بعد أن كان قريباً من الموت الذي رآه بعينيه في تفجير مسجد النهدين، ما زال يعيش علي عبدالله صالح هاجس الزعامة ولم يستطع التعاطي مع التحول السياسي الذي شكلته المبادرة الخليجية في 2011م، «المخلوع» يعلم أن المؤسسات السياسية وغيرها في اليمن كانت مجرد غطاء للعربدة التي اعتاد ممارستها عندما كان على رأس السلطة، لذلك رأينا المهزلة التي حصلت بانعقاد جلسة مجلس النواب لتمرير مجلس الرئاسة غير الشرعي، إهانة ما تبقى من الجمهورية بتلك الطريقة هي إهانة أخرى للشعب اليمني بل للديمقراطية في العالم.