«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن نسبة الاقتصاد الخفي بالمملكة وصلت خلال الفترة 2008 - 2012 إلى نحو 20 % من الناتج المحلي الإجمالي. وفيما مستوى الناتج المحلي الإجمالي يصل حاليًا إلى نحو 2800 مليار ريال (إحصاءات 2014م) فإن حجم الاقتصاد الخفي يدور في فلك 565 مليار ريال. ويأخذ الاقتصاد الخفي في المملكة أشكالاً بعينها بشكل مغاير لأشكاله وصفاته في الدول الأخرى.. فالتستر وغسل الأموال والتهرب الزكوي وتجارة المخدرات هي الأشكال الرئيسة التي تسيطر على تعاملات الاقتصاد الخفي.. إلا أنه ينبغي معرفة أنه ليس كل الاقتصاد الخفي اقتصادًا مجرَّمًا أو أسود.. بل يوجد أجزاء مهمة من هذا الاقتصاد تمثل تعاملات غير رسمية، ولكن خارج النطاق المسجل في الدفاتر، يمكن استقطابها وتحفيزها لكي تصبح تعاملات رسمية؛ وبالتالي تحقق المنفعة للدولة من خلال تحصيل إيرادات ضريبية أو زكوية عليها. والأهم من ذلك دمج العمالة غير النظامية في هذا الاقتصاد داخل منظومة القطاع الرسمي المسجل. فما هي الأشكال التي يمكن دمجها من الاقتصاد الخفي؟ وما هي أساليب دمجها؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟
الاقتصاد الخفي.. تعريفات متعددة.. بعضها مخيف
الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الخفي ما يعرف أحيانًا بالاقتصاد الموازي، وربما يسميه آخرون باقتصاد الظل، أو أحيانًا تمتد التسمية إلى تعريفه بالاقتصاد الأسود. يُعرف بأنه هو عبارة عن تعاملات أو تجارة أو صناعة أو حرف أو مهن لا تخضع للرقابة الحكومية، فلا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات القومية، وهو يعمل بمعزل عن التشريعات الصادرة؛ ولذلك يعتمد على السرية في عمله شراء وبيعًا، أي بعيدًا عن أعين الرقابة، ويمسك دفاتر نظامية. والأهم من ذلك إن هذا الاقتصاد يتهرب من سداد جميع الاستحقاقات المترتبة عليه تجاه الدولة، سواء كانت ضرائب أو رسومًا أو خططًا أو تقديم بيانات.
وتتفق الدراسات على تعريف الاقتصاد الخفي بأنه «كافة الأنشطة المولدة للدخل الذي لا يسجل ضمن حسابات الناتج القومي، إما لتعمد إخفائه تهرُّبًا من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه الأنشطة، أو بسبب أن هذه الأنشطة المولدة للدخل - بحكم طبيعتها - تعد من الأنشطة المخالفة للنظام القانوني السائد في البلاد».
وحسب تعريف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإنه يمكن تمييز أربعة أنواع من الاقتصاد الخفي، هي: الإنتاج تحت الأرض، الإنتاج غير المشروع، القطاع غير الرسمي ومؤسسات القطاع العائلي الموجهة للاستهلاك النهائي.
حسب المشروعية.. أنواع الاقتصاد الخفي
الاقتصاد الخفي المسموح به هو عبارة عن إنتاج سلع وخدمات مشروعة، لا تخالف قوانين وأنظمة الدولة، ولكن مشكلته الأساسية أنها أنشطة غير معلنة وغير مرخصة نظامًا حسب أنظمة الدولة، وهي أنشطة يتولد عنها دخول غير واضحة للسلطات الرسمية، ومن ثم لا تُسجَّل ضمن حسابات الدخل القومي. ومن أمثلتها: بعض أنشطة قطاع الصناعات الصغيرة وقطاع التجارة الداخلية، إضافة إلى القطاع الحرفي والمهني.
الاقتصاد الخفي غير المسموح به: هو عبارة عن ممارسة أنشطة أو إنتاج سلع أو خدمات مخالفة لأنظمة وقوانين الدولة؛ فهي غير مشروعة أساسًا. ويمكن تقسيم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام: الأنشطة المنتجة للسلع والخدمات غير المشروعة، وكذلك الأنشطة المخالفة لأنظمة وقوانين الدولة، فضلاً عن الأنشطة المخالفة لقوانين العمل والهجرة.
أشكال الاقتصاد الخفي
أشكال الاقتصاد الخفي المشروع: قيمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمصانع المنزلية غير المسجلة، قيمة تجارة الباعة الجائلين بالشارع (تجارة البسطات)، قيمة العقارات والأراضي غير المسجلة في الشهر العقاري، قيمة سوق المستعمل (السيارات والأجهزة)، قيمة تعاملات مراكز الدروس الخصوصية، قيمة سوق السمسرة العقارية وقيمة التجارة الإلكترونية غير الرسمية.
أشكال الاقتصاد الخفي غير المشروع: التستر، الرشوة العمولات والفساد، تجارة السلاح، تجارة المخدرات، حجم غسل الأموال وحجم سوق تحويلات الوافدين.
ضخامة الأرقام غير الرسمية تفوق الـ20 %
تقديرات البنك الدولي تقف عند حد تقدير نسبة 20 % من الناتج المحلي الإجمالي اعتمادًا على تقديرات التستر. نعم، وبالفعل يعتبر التستر هو الشكل المهم للاقتصاد الخفي بالمملكة، وتصل مساهمته في الاقتصاد الخفي إلى نحو 70 %. أي تصل تعاملات التستر إلى نحو 396 مليار ريال. ولكن المدقق في الأشكال عاليه سيلحظ أن هناك أشكالاً للاقتصاد الخفي لم تنل الاهتمام الكافي بالمملكة، رغم أن قيمها قد تصل إلى المليارات أيضًا، التي يأتي على رأسها العقارات والأراضي غير المسجلة في دوائر السجلات العقارية، أو العقارات المسجلة ولكن تدرج بقيم متدنية، أو المسجلة ولكن تباع وتشترى خارج نطاق التسجيل.
أما الأسواق الخفية خارج نطاق القطاع الرسمي فهي تمثل العديد من الأسواق الخدمية غير المنظمة، مثل مراكز الدروس الخصوصية.. وهذه المراكز لها شكلان: شكل مسجل ومرخص في الدفاتر، ولكن لا توجد تقديرات سليمة لمعدلات إيراداته.. وتعامل أحيانًا كمراكز تدريب رغم أن مجمل إيراداتها تكون عالية للغاية. أما الشكل الثاني فهو الدروس الخصوصية غير المسجلة في الدفاتر مطلقًا، وهي عبارة عن دروس شخصية، يقدمها غالبًا الوافدون بشكل غير منظم، ولكن تقديرات الإيرادات فيها مرتفعة للغاية. وتشير كثير من الأدلة إلى وجود مدرسين مقيمين بالمملكة، ليس للعمل في مدارس ولكن للعمل مدرسين خصوصيين.فلو افترضنا أن عدد المعلمين بالتعليم الأساسي الأهلي يصل إلى 75 ألف معلم (تقدير شخصي للجزيرة)، 50 ألفًا منهم من الوافدين تقريبًا بالتستر. وأن كل وافد يعمل في سياق الدروس الخصوصية، ويحقق عائدًا بنحو 5000 ريال شهريًّا.. أي بإيراد نحو 40 ألف ريال سنويًّا (5000 ريال في 8 أشهر).. فإن متوسط سوق الدروس الخصوصية يصل إلى نحو 2.0 مليار ريال سنويًّا. هذا السوق لو تم تطبيق الزكاة عليه لحصلنا على إيرادات عالية.
الدمج المطلوب
ليس كل الاقتصاد الخفي قابلاً للدمج؛ فتجارة المخدرات وغسل الأموال والسلاح وغيرها من التجارات الممنوعة لا يمكن قبول دمجها أو السعي لإشراكها لكي تكون نظامية.. ولكن من المهم جدًّا حوكمتها وضبطها، ومنع حدوثها.. ولكن توجد قطاعات خفية، تنتج أنشطة وسلعًا وخدمات غير مجرمة، يمكن السعي لدمجها واستقطابها؛ لكي يتم ترخيصها في الدفاتر النظامية. ومثلها مثل كل التعاملات في أسواق السمسرة غير المنظمة وأسواق المستعمل والدروس الخصوصية والتستر بأشكاله كافة.. ينبغي البحث عن أدوات ووسائل لكي تصبح في دائرة القانون والتراخيص الرسمية وما يتماشى مع قوانين العمل بالمملكة.
إيرادات الزكاة والضريبة
أقل تقدير أن دمج الـ396 مليار ريال من التستر في القطاع الرسمي يمكن أن يخدم الإيرادات الحكومية بنحو 8 مليارات ريال كإيرادات زكوية إضافية. فما بالنا بما يمكن أن تصنعه من نمو اقتصادي وتحريك عجلة الإنتاج واحتساب عمالة غير محتسبة وتقليص معدلات البطالة، وغيرها.