د. محمد عبدالله الخازم
قررت الحكومة الأمريكية في بداية الخمسينات، مد طرق بين مختلف ولاياتها، وكان التصور هو وضع طرق من مسارين بدون كباري أو جزر في المنتصف، لكن الرئيس الأمريكي أيزنهاور كان للتو متذكراً - بعد الحرب مباشرة - طرق ألمانيا المكونة من أربعة مسارات (مساران في كل اتجاه) ومخارجها وجزرها، فقرر تغيير مشروع الطرق الأمريكية بين الولايات ليكون مماثلاً. الإشكالية الكبرى كانت في التمويل، وبالذات والحرب للتو وضعت أوزارها، فكان المخرج حينها تأسيس صندوق لتمويل تلك الطرق دخله يأتي من ضريبة الوقود التي كانت المفتاح لتغيير وجهة الطرق في أمريكا.
تلك المقدمة، أستخدمها كمدخل لطرح فكرة ربط الرسوم التي تقترحها مختلف الجهات هنا وهناك، بمشاريع وصناديق محددة لغرض له علاقة بنوعية الرسوم. على سبيل المثال لا مانع من فرض رسوم على السفر بالمطار، إذا كانت مخصصة لتطوير المطار مباشرة أو كضمانات للحصول على التمويل اللازم لتطوير المطار، وسنرى أثرها في المطار ذاته بعد عام أو أكثر أو أقل.
عندما تفرض رسوم للنفايات فلا أريدها أن تذهب لوزارة البلديات، بل لصندوق معني بتطوير عملية فرز النفايات وإعادة تصنيعها وتمويل مشاريع بيئية ذات علاقة بكل منطقة، تحت إشراف مجالس مستقلة تمثل فيها الجهات ذات العلاقة ومنها المجالس البلدية. عندما نضع رسوماً إضافية للمخالفات المرورية نريدها أن تذهب لصندوق يخصص لتطوير المرور، وعندما أفرض رسوماً على السجائر أريد أن تذهب لصندوق لدعم الخدمات الصحية، وهكذا...
نريد أن نرى الرسوم الإضافية تذهب لمشاريع أو أعمال محددة، وبالتالي نستطيع الحكم على جدواها ونستطيع خلق آلية رقابية متطورة عليها، عندما تكون مستقلة ولها نظام حوكمة متميز وهناك شفافية حول مواردها ومصروفاتها... إلخ. فكرة الصناديق ربما ليست جديدة، فهناك - كمثال - صندوق تموله الرسوم العمالية (هدف)، يُفترض أن يُستخدم للمساهمة في التغلّب على البطالة، وإن كنا بحاجة إلى شفافية ووضوح أكبر حول موارد مصروفات ذلك الصندوق...
المقترحات أعلاه، ربما تسهم في ضبط مدخلات ومخرجات ما يتم فرضه من رسوم. كما أنها تسهم في جعل الخطوات الحكومية في هذا الشأن مقنعة للمواطن والمقيم. حيث إن إحدى الملاحظات هي إصدار قرارات حكومية في بعض الأحيان ومنها فرض أو زيادة الرسوم، دون إقناع أو شرح وافٍ من قِِبل الوزارات والجهات ذات الاختصاص، وبالتالي ترك الناس يخوضون في التأويلات والتفسيرات والنوايا المختلفة.
أختم بالتأكيد على ثقتنا بأنّ الحكومة لديها دراسات واستشارات معمّقة، وفرض أو زيادة الرسوم يأتي لأغراض متنوعة. نحن جميعاً شركاء في تنمية الوطن والرسوم والغرامات جزءٌ رئيس من موارد الدولة، أيّ دولة كانت، وعلينا إدراك أهميتها وأهدافها المختلفة.. حفظ الله وطننا ووفق حكومتنا لتقديم كل ما فيه الخير للوطن والمواطن.