لا شك بأن أي إدارة في أي مؤسسة كانت تطمح في تحقيق أعلى مستوى في الانضباط والالتزام الوظيفي بهدف الوصول إلى أعلى مستوى من مستويات الجودة.
تتطلع إدارتنا إلى الكثير من التحسين والتغيير لكن بدون فائدة، تفاجأت كثيرا حينما علمت بأن بعض الإدارات تعلق آمالا كثيرا في تحقيق الانضباط من خلال جهاز البصمة، لديهم وجهة نظر لكن البصمة ليست الحل فبإمكان الموظف التسرب من عمله وهو ملتزم ببصمة الحضور والانصراف، إذن ما الحل؟
الحل ليس في سن الأنظمة وفرض القيود التي تشل فكر الإبداع وتضيق مساحات الإبداع الوظيفي.
أتساءل مرارا لماذا في معظم الإدارات التي تقرن جودة الأداء بالحضور والانصراف هي من أقل الإدارات إنتاجا وأكثرها جمودا؟
نعلم جميعا بأن الالتزام بالدوام من أهم المزايا الإيجابية والتي ينبغي توفرها في الموظف ولكنها للأسف الشديد لا تقيس الجودة ولا حتى الإنتاج.
فمثلا من السهل أن نجد موظفا ملتزما بالحضور والانصراف ولا يطبع في اليوم إلا خطابا واحدا معتمدا على نموذج محفوظ في جهازه منذ أعوام وباقي العمل لا يأبه به فهناك من يقوم به لذا فهو لا يعد التقارير ولا يستطيع العمل مع فريق، وحينما تسأله لماذا أنت هنا؟ أتأتي من أجل أن تطبع خطابا واحدا أما سئمت؟ أترضى بأن يكون هذا أقصى ما تملك؟ يجيبك بالعامي (موظف رسمي والراتب يمشي والبصمة ما تحسب على غياب ليش لي بالتعب) أتساءل إلى أي درجة خدمت البصمة المؤسسات؟ هل المقياس المواظبة على الحضور وإدمان القهوة كل صباح والتشدد في إلزام الموظف بما يعقل وبما لا يعقل حتى أوشك على الاختناق.
البصمة مع الضرر المتوقع حدوثه مستقبلا لا تحقق إلا جزء يسير من الانضباطية المقرونة بالحضور الميت للموظف، فالموظف الملتزم ذاتيا بالحضور لا يضيره هذا بشيء أما المستهتر فسيلجأ إلى التنقيب عن ثغرات تمكنه من الإفلات من الحضور بصورة مهمة رسمية، مهمة داخلية أو تعذر الجهاز عن التعرف أو ما شابه ذلك.
ولا يخفى الجميع أعطال البصمة الكثيرة والمنافع المزعومة من تبنيها في الإدارات ولست في صدد البحث عن جدواها أم لا، فالبصمة إن حققت شيئا من الانضباط فهي ليست مؤشر نجاح لأي مؤسسة حيث ترهق الموظف الحريص الذي تعانده الظروف ويحتال عليها الموظف المستهتر وتضيع الإنتاجية بين موظف حريص تكبله البصمة وظروف الحياة المتسارعة وإدارة تفتقد إلى الرؤية الواضحة وأدنى حد من المهنية بسبب تسرب موظفيها أو لضعف تأهيلهم أو أنهم من شاكلة البطالة المقنعة تحمي نفسها ببصمة الحضور والانصراف.
كيف يستطيع موظف متحمس وسط إدارة شبه ميتة اعتاد موظفوها على الحضور الباهت أن ينتج بمفرده في ظل غياب مقياس حقيقي لإنتاجية الموظف، فما الذي سيحل بهذا الموظف؟ سيصمد إن كان ذا عزيمة قوية أو يواكب الموجة فلا هو ثبت على مبدأه بل حاكى البقية وأصبح مثلهم.
تخيلوا معي حجم الضرر الذي سنواجهه في حال كانت إدارات-نا ميتة وبيروقراطية؟ ما المنافع التي جلبتها لنا البصمة؟ أليس الانضباط مسؤولية فردية ذاتية وإن تحقق فهو انضباط لا يخدم المؤسسة إذا كان حضورا بدون إنتاج بدون رسالة، البصمة مجرد جلاد وليس حلا.
من أراد أن يحتال على البصمة فلا يفعل ومن لا يملك فليتملق.
أتساءل ما جدوى البصمة في إدارة موظفيها جلهم ساخطين لعدم تكافؤ الفرص أو غير مؤهلين فما جدوى البصمة والإدارة مشلولة.