د.عبد الرحمن الحبيب
ما الجديد في حادثة استهداف الانقلابيين اليمنيين للمدنيين في نجران الأسبوع الماضي، إضافة لكونها صادمة من ناحية كمية سقوط الضحايا الأبرياء وهم سبعة مدنيين عزل بينهم طفلان، إذا كان الانقلابيون منذ مدة يمارسون العمل الإرهابي؟ هناك جديدان..
الأول أن الانقلابيين على الشرعية في اليمن صاروا يعلنونها صراحة تجاه السعودية باستهدافهم المدنيين العزل والأطفال مما تأنف عن التصريح به حتى المنظمات الإرهابية. الثاني أن النظام الإيراني بدوره لم يعد ينكر تقديم الدعم العسكري للحوثيين، إذ أعلنت الوكالة الإيرانية الرسمية «إيرنا» الاثنين الماضي، أن الصاروخ الذي أطلقته مليشيا الحوثيون باتجاه الأراضي السعودية كان من نوع «زلزال 3» وهو إحدى الصناعات الإيرانية حسب تصريح الوكالة. وبغض النظر عن صدق أو دجل هذا الإدعاء فإنه يعني عدم الحاجة لإثبات التدخل العسكري الإيراني في اليمن، وأنه ليس مجرد مبالغة سعودية في الحذر من نوايا النظام الإيراني، فلم تعد نوايا بل أفعال معلنة..
فإذا كان مخطط النظام الإيراني للتدخل في اليمن يستند على أدلة يراها البعض غير قطعية مثل تلك التي ذكرها المتحدث باسم الحكومة اليمنية الشرعية راجح بادي، بأن اعترافات الموقوفين الموثقة أكدت أن طهران تخطط لإنشاء فرع جديد لحزب الله في اليمن؛ فضلا عن تمكن سلطات هذه الحكومة في أوقات سابقة، من إيقاف سبع سفن إيرانية كبيرة تحمل كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر، حاولت دخول شواطئ جزيرة سوقطرة لمساعدة الانقلابيين الحوثيين.. فإن الأمر أصبح جلياً ولم يعد استنتاجات أو أدلة احتمالية..
وهنا يتبادر سؤال لماذا يصرح علناً الانقلابيون في اليمن والنظام الإيراني بمثل تلك التصريحات الجوفاء المستخفة بأرواح المدنيين الأبرياء وبالقانون الدولي والمعايير الإنسانية، فلا يمكن أن يكونوا بهذا الغباء السياسي الفج؟
بالنسبة للمليشيا الانقلابية فآفاقها السياسية محدودة للغاية بأي كسب ممكن حتى لو كان محدود الأثر مثل ما يظنونه من إثارة الخوف بين المدنيين في الحد الجنوبي السعودي، رغم أن الأمن مستتب في السعودية ودفاعاتها حققت نجاحات في التصدي للقذائف بشهادة محايدة من تقرير مفصل لمعهد الدراسات الإستراتيجية والدولية حول الاعتداءات الصاروخية التي يرتكبها الحوثيون على المملكة، بحسب ما نشره موقع «ديفنس وان» المعنيّ بالشؤون العسكرية، الأربعاء الماضي، الذي ذكر أن دفاعات المملكة نجحت في التصدي لكافة الصواريخ الحوثية باستثناء قليل جدا منها..
أما بالنسبة لنظام الملالي في إيران فلا جديد في التهمة، فهو مدان دولياً برعاية الإرهاب منذ نشأته، معتمداً عقيدة تصدير الثورة الخمينية وإثارة الاضطرابات بالمنطقة.. وفي أي ثغرة إقليمية يحاول تصدير قلاقله الداخلية لإحكام قبضته في الداخل، تحت شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة مع العدو الخارجي.. فاستقرار إيران يعني تحسن مواقع مؤسسات المجتمع المدني فيها والانفتاح على العالم ومؤسساته الدولية والانصياع للقانون الدولي وتشكل جبهة المطالبات الداخلية ومواجهة إيديولوجيا نظام الملالي ومن ثم بداية نهايته...
الأنظمة غير المستقرة أو المنغلقة على نفسها بإيديولوجيا متزمتة لا يعنيها كثيراً أو قليلاً القانون الدولي ولا المحلي.. أفضل مثال للأولى ما حدث في الأرجنتين عام 1982 بعد توالي الانقلابات العسكرية، فحين كانت المظاهرات تعم البلاد ضد الحكم العسكري الدكتاتوري، قام الجنرال جالتيري الذي يرأس الدولة بإعلان الحرب لتحرير جزر فوكلاند من بريطانيا، فتحولت المظاهرات المضادة إلى مؤيدة، فلا صوت يعلو على صوت المعركة! أما الأنظمة المنغلقة على نفسها فغالباً ما تعتبر القانون الدولي والنظام العالمي خصما لها، مثل كوريا الشمالية. نظام الملالي في إيران يجمع بين هذا وذاك مع مراوغات يفتقدها العسكر..
ماذا تصنع السعودية إزاء ذلك؟ ففي الوقت الذي كانت تجري فيه محادثات سياسية في الكويت بين أطراف النزاع في اليمن، وشاعت روح التفاؤل في المنطقة بحل الأزمة سلمياً وفقاً للاستحقاقات السياسية، كان الانقلابيون اليمنيون يستغلونها للتزود بالأسلحة حسبما أعلنته البحرية الأمريكية في مايو الماضي بضبط شحنة أسلحة أثناء اعتراض سفينة بحرية إيرانية في بحر العرب كانت في طريقها للحوثيين في اليمن..
ماذا تفعل إذا لم تنفع الحلول السياسية مع مليشيا خارجة على شرعية دولتها التي تستنجد بك، وخارجة على الشرعية الدولية، ولها ممارسات عدوانية تجاهك بصواريخ بالستية ضد سكانك المدنيين في حدودك الجنوبية؟ ليس هذا فحسب، بل أنها تتحرك بأوامر ودعم النظام الإيراني الذي يبعد آلاف الأميال عن اليمن ويصَدِّر الاضطرابات العدوانية مهدداً وجودك شمالاً وجنوباً.. ماذا تفعل؟ سؤال واقعي لا ينتظر أجوبة رومانسية.. سؤال مفتوح للجميع خاصة لأولئك الذين يرون أنه حان وقت إنهاء الحرب بأي ثمن..
لا توجد دولة آمنة مستقرة قائمة على التنمية، كالمملكة، تريد الحرب، وإذا دخلته مضطرة فهي تسعى لإنهائه بأسرع ما يمكن.. وعلاقاتها مع دول المنطقة علاقة تنموية، خذ مثلاً لبنان: ظلت السعودية تدعمه بالمال للبناء والتعمير، بينما إيران تدعم مليشيا فيه بالأسلحة للحرب والدمار.. فكيف تخمد النار إذا كنت تسكب عليها ماءاً وهناك من يسكب الزيت عليها!؟