لبنى الخميس
ما الذي يجعل صورة طفل كان ضحية بريئة لحروب الكبار تتفوق على غيرها في التأثير والانتشار؟ هذا ما طرحته صحيفة الإندبندنت البريطانية على عدد من المصورين المتخصصين في تغطية الحروب والأزمات، وتحديداً عن سر قوة وانتشار صورة الطفل السوري عمران دقنيش الذي تم انتشاله حرفياً الخميس الماضي من تحت الأنقاض في مدينة حلب السورية. تفاوتت إجاباتهم متقلبة ما بين النواحي النفسية والسياسية، ما أعاد إلى ذاكرتي عدداً من الصور التي أشعلت فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وحركت مشاعر الجماهير نظير جرعة الصدمة والألم الذي تحمله. دعونا نحلل سر انتشار 3 صور لأطفال تأثروا بشكل مباشر بالحروب.
1 - عمران دقنيش (الذي أبكى العالم ولم يبكِ)
خرج من تحت الركام، الجزء الأيمن من وجهه مغطى بغبار الأنقاض، والجزء الأيسر مضرج بالدماء، وقصة شعر تليق بطفل وسيم في الرابعة من عمره، لم يذرف دمعة. عمران يمثل شيئاً عميقاً في داخلنا، إحساسنا العميق بالعجز والضعف والصدمة أمام المآسي والحروب، وفزع يفوق قدراتنا المرتبكة على التعبير، تبلد شعوري يتسلسل إلى نفوسنا أمام أفظع مشاهد الوجع والدمار.
2 - إيلان الكردي (الطفل الغريق)
إيلان طفل سوري لا يتجاوز الثلاث السنوات، انزلق من يد والده من قارب متهالك في عرض البحر، وانتهى به المطاف في أحد السواحل التركية، حين عثر عليه شرطي تركي. القصة لم تنته، إيلان لم يرحل وحيداً، فقد توفيت والدته وأخوه في حادث مأساوي هز ضمير العالم ومنح بعداً آخر لمعاناة اللاجئين في كل مكان. إذ انتشرت صورة إيلان انتشار النار في الهشيم وتصدرت واجهات الصحف الأجنبية قبل العربية، واعتلت قوائم الهاشتاقات الأكثر تداولاً وتفاعلاً كونها تزامنت مع ذروة أزمة اللاجئين السوريين لأوروبا، وانقسام القارة العجوز بحكوماتها وشعوبها ما بين مؤيد ومعارض، فجاءت الصورة صادمة، لتخرس كل ترهات السياسة وخطاباتها التعيسة تجاه الأزمة، وتشعل جدلاً عن قيمة الإنسان، ومعنى الإنسانية.
3 - محمد الدرة (أيقونة النضال)
لحظة استشهاد الطفل محمد الدرة بعدسة المصور الفرنسي شارل اندرلان في قطاع غزة عام 2000 كانت مؤثرة وصادمة، لأنها اختزلت بشكل مكثف وموجع حزمة من المشاعر الإنسانية المشتركة من أبوة حانية، وخوف صارخ، وانتقاضة غريزة البقاء، من خلال مشهد طفل يختبئ خلف والده، ووالده يختبئ خلف صندوق أسمنتي، وبعد دقائق قليلة يلفظ محمد الدرة أنفاسه الأخيرة في حضن والد قتلته الحسرة وقلة الحيلة.
ليبقى السؤال، لماذا ينجح الغرب في التسويق لآلامه وأزماته، وحشد التأييد والتعاطف العالمي معها، ونكتفي نحن بإطلاق هاشتاق لمدة يومين وينطفئ. إلى متى سيظل الأطفال أيقونات للألم؟.. وقصص موجعة لحروب الكبار الظالمة؟ كم محمد الدرة وإيلان وعمران رحلوا دون أن نسمع عنهم؟ كم من طفولة أهدرت.. وأرواح طاهرة أزهقت.. وقصص بترت قبل أوانها.. في ظل حروب طاحنة أتت على الأخضر واليابس، وسحقت قيمة الإنسان ومعنى الإنسانية!