عبدالعزيز السماري
نشرت جريدة المدينة في عددها الصادر يوم السبت الماضي خبراً عن 13 وزارة وهيئة حكومية تستعد حاليًا لإطلاق أول برامج خصخصة لبعض خدماتها المختلفة، وآلية خصخصة القطاع العام نظام حديث، وكان له تطبيقات نوعية في بعض الدول الغربية، لكنها تختلف من بلد إلى آخر، لكن يتفق الجميع على أنها تعني بوضوح نقل ملكية قطاع عام إلى الخاص، أو بيع جزء منه، وهكذا، والغرض منه على وجه التحديد تحسين نوعية الخدمات المقدمة وطرح الأجواء التنافسية في المجال المخصص.
ويتطلب تطبيقها نظاماً عالياً من الشفافية والمحاسبة، ونظاماً إدارياً حديثاً يتفق مع المفاهيم العصرية في التنظيم الإداري والتشريعي للملكيات العامة والخاصة، ولهذا قد يكون مخالفاً لذلك، إذا كان الغرض منه فقط توفير أموال أكثر للحكومة، وعادة ما يقود هذا التوجه بعض الذين يستغلون غياب الشفافية، ويحققون في مثل هذه التغيرات مصالح خاصة، ولو كان ثمن ذلك تأثيره السلبي على اقتصاد البلاد.
يدخل تعريف الخصخصة الحقيقي وبيع الأصول العامة للشركات الخاصة في مهمة وهدف واضحين، وهو توفير الخدمات للمجتمع بسعر تنافسي، والفكرة وراء قضية الخصخصة هي أن الموفر الجديد للخدمة سوف يكون قادراً على تقديم نفس الخدمة، ولكن بتكلفة أقل للجمهور، ولهذا كنت ولا زلت أعتقد أن مفهوم الخصخصة لدينا غير واضح، ويجب الحذر من تطبيقاته الخاطئة وتعزز تطبيقاته الصحيحة.
لذلك يجب الاتفاق أولاً أن الخصخصة لا تعني بأي حال زيادة مدخولات الدولة فقط من خلال وضع تكلفة على خدماتها العامة، وإذا حدث ذلك، فهذه ليست عملية خصخصة، وإنما هي أقرب للأنظمة الاجتماعية القديمة، وإذا تُخلى عن أنظمة الاستثناءات، وبتكلفه أقل ستكون ربما أقرب للأنظمة الاجتماعية الحديثة، مثل نظم الرعاية الصحية في الدول الأوروبية، فالنظام الصحي هناك هو تكافلي، وليس خاصاً، ولكن بدون استثناءات في تقديم الخدمات، ومن أراد غير ذلك يدفع أكثر للخدمات الفندقية.
من هنا تتبادر الأسئلة على سبيل المثال: عندما تخرج الأخبار عن خصخصة بعض المؤسسات الطبية المتخصصة، هل يعني ذلك أن ملكيتها ستنتقل إلى القطاع الخاص، أم ستظل تحت ملكية القطاع العام، لذلك أجد صعوبة في فهم نظام شركة حكومية، وأرى أن ذلك لا يدخل ضمن الخصخصة، ولكن يظل قطاعاً عاماً، وملكية عامة.
لذلك لا يمكن فهم أن يدفع المواطن مقابل خدمات عامة، والحل المتوافق مع مصطلح الخصخصة هو خروج الملكية العامة من قوائمها، أو من التأثير على إدارتها أو ميزانيتها، وإخضاعها إما للقطاع الخاص التجاري أو غير الهادف للربح، وهكذا.
ذكر الخبر المتداول أنه سيتم خصخصة غسيل الكلى، فهل يعني ذلك أن المريض بالفشل الكلوي والعاجز عن العمل سيتحمل تكاليف غسيل كليتيه، وهي خدمة من المفترض أن تكون خدمة مجانية للقطاع العام مثل بقية الأمراض المزمنة، لذلك أتساءل لماذا فقط تم تحديد الغسيل الكلوي في قضية الخصخصة حسب الخبر المنشور!
في قطاع آخر، تدخل شركة المياه الوطنية ومسألة رفع قيمة خدماتها في تعريف الخصخصة الخاطئة، فالشركة لا تزال ملكية عامة، وليس لها علاقة بالقطاع الخاص، وقد تم تأسيسها لتجاوز بيروقراطية الوزارة، ولا تدخل ضمن هدف رفع الأجواء التنافسية في مجال تقديم الخدمة، فخدماتها لم تتغير، ولا زالت تقدم خدماتها حسب الأساليب التقليدية، لذلك فإن رفع أسعارها لا علاقة له بالخصخصة، ولكن لِنَقْل بعض تكاليفها برغم من أنها ملكية عامة.
جاء في الخبر أيضاً أن مؤسسة البريد السعودي سيتم خصخصتها بالكامل، فهل يعني ذلك أنها ستتحول شكلياً من مؤسسة عامة إلى مسمى شركة فقط، بينما تظل مملوكة بالكامل للدولة مثل شركة المياه، أم ستباع خدمات البريد إلى القطاع الخاص، ثم خلق جو تنافسي لتقديم الخدمة للمجتمع، في حين يكون هناك أكثر من مزود للخدمات على طريقة شركات الاتصالات، وتصبح بناء عليه خدمات خاصة.
من خلال هذه القراءة يظهر لي أن الخصخصة المطبقة غير متوافقة مع نظام الخصخصة المتعارف عليه في الدول المتقدمة، وإن تطبيقاتها الخاطئة ستؤدي إلى نتائج سلبية، لذا أدعو إلى الحذر ليس إلا، والله المستعان.