محمد بن فهد العمران
لا يختلف أحد على أن العائد الاستثماري يعتبر محفزا مهما لاتخاذ قرارات شراء أو بيع الأسهم و السندات و العقارات و الودائع البنكية و غيرها من الأدوات الاستثمارية جنباً إلى جنب المخاطرة المرتبطة بكل أداة و لا أبالغ بالقول إن العائد الاستثماري يكاد يكون أهم العوامل المؤثرة على قرارات الشراء و البيع قاطبة، فكلما زاد العائد زاد انجذاب المستثمرين نحو الأداة الاستثمارية والعكس صحيح، ولا عجب في ذلك لأن «حب المال» و»السعي نحو الرزق» هو غرائز خلقها الله عز و جل داخل كل إنسان و لهذا يسعى الإنسان جاهداً للبحث عن العائد الاستثماري الأفضل من وجهة نظره.
في الأسابيع القليلة الماضية، طالعتنا تقارير صحفية دولية مفادها أن قيمة السندات ذات العائد السلبي قد تجاوزت 13,4 تريليون دولار و هو بلا شك رقم مخيف لأننا نتحدث هنا عن تريليونات (و ليس مليارات) الدولارات يتم استثمارها بخسائر شبه محققة ستأكل من رأس المال عند انتهاء استحقاقاتها والغريب في الأمر أن المستثمرين الذين قرروا الشراء يعلمون ذلك جيداً و قبلوا به !!! و الأغرب أن هؤلاء المستثمرين هم في الغالب صناديق سيادية و بنوك مركزية و مؤسسات مالية كبيرة يعتبرون هم مديرو الاستثمار الأكثر احترافية و خبرة و دراية في اتخاذ القرارات الاستثمارية حول العالم، فماذا يحدث بالضبط ؟ وهل حقاً يدركون ما يفعلون ؟.
قد نفهم مسببات بروز ظاهرة العائد السلبي على السندات مع قيام عدد من البنوك المركزية حول العالم مؤخراً (في أوروبا و اليابان مثلاُ) بتخفيض أسعار الفائدة على عملاتها المحلية لتكون بالسالب نتيجة لظروف إقتصادية معينة تمر بها هذه الدول، لكننا لا نزال نجهل أسباب مواصلة المستثمرين «الاحترافيون» احتفاظهم بهذه السندات، بل و استمرار شرائهم للإصدارات الجديدة من هذه السندات برغم أنها ذات فائدة سلبية و وجود احتمالات عالية بتسجيلهم لخسائر على رأس المال عند استحقاق هذه السندات أو بيعها قبل ذلك، و هذا بالفعل أمر غريب لم يسبق حدوثه في تاريخ الأسواق المالية سواء في الألفية الحالية أو القرن العشرين !!!.
وحتى نفهم هذه الظاهرة أكثر، فحتى عام 2014م كانت قيمة السندات ذات العائد السالب لا تتجاوز 7 تريليون دولار مما يعني أن قيمة هذه السندات قد تضاعفت خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى عامين فقط، و ما يهمنا نحن هنا هو أنه في حال استمرار هذه الظاهرة مستقبلاً فهي بالتأكيد إشارة قوية للاتجاهات المتوقعة لحركة أسعار الفائدة و التضخم و النمو الإقتصادي في المدى الطويل (على الأقل في أوروبا و اليابان)، كما يراها المستثمرون الاحترافيون بأنفسهم، و سيكون لهذا الأمر إن تحقق تبعات خطيرة جداً على الاقتصاد العالمي و الأنشطة الاستثمارية عموماً إلا إذا حدثت مفاجآت تغير من شكل هذه الاتجاهات المتوقعة.