د. أحمد الفراج
ذات يوم غير بعيد، كنت أحضر مناسبة اجتماعية، فاقترب مني شاب ظريف، محب للنكتة، وبعد أن روى لي بعضا من طرائفه وقصصه عن الاحتساب، إذ إنه يكرس بعض وقته لهذا العمل، سألني عما إن كنت أرغب التجديد، ولم أفهم من أول وهلة، ثم ضحك، وأردف مشيرا علي بزواج «المسيار»، وقال إنه يكن لي مودة، ويرغب في خدمتي بهذا الشأن، إن أردت، وأشار إلى أنه ظليع، ولدية خبرة كبيرة بهذا الخصوص، وقال إنه يخشى أن أتزوج مسيارا عن طريق أناس غير ثقات، وأندم على ذلك، وعندما استوضحت، قال: «إن هذا النوع من الزواج انتشر كثيرا، وصار تجارة مربحة، وقد انتشرت بسبب ذلك كثير من الأمراض المعدية بين من يمارسونه»، وبالتالي فهو يريد أن يحميني من استغلال البعض، ويتولى هو تزويجي ممن هن محل ثقة، ولم يخف عني أنه يكسب مالا وفيرا من هذه الصنعة، وأن زبائنه من النوع الخاص، الذين يرغبون في الستر والسرية، وللأمانة، أعترف أنني أفدت كثيرا من تلك الدردشة، مع ذلك الشاب اللطيف، والذي أعطاني هواتفه، على أمل أن أغير رأئي، وأسير مع المسيرين يوما ما.
قبل أيام، طرح مجموعة من الزملاء قضية «تقنين الزواج»، وتحدثوا بتأصيل شرعي عميق، وكان هدفهم كبح جماح جنون أشكال الزواجات، التي انتشرت، خلال السنوات الأخيرة، تحت مسميات غريبة، مثل المسيار، والمسفار، والمقعاد، والركاض، وحتى لا يتحول الأمر من ضرورة تقتضيها الظروف، إلى ترف جنسي، ويسمى الرجال، الذين يستخدمون هذه الأشكال من الزواج بـ «الذواقة»، أي أن المرأة عندهم مثل أنواع الآيسكريم، يتذوقون منها على قدر متعتهم، وكمثال على ذلك، يسافر أحدهم إلى بلد آسيوي معروف بحجة الدعوة، ثم يزور مكاتب التزويج المنتشرة هناك، ويتزوج واحدة، ويتذوقها فترة بقائه، والذي قد يكون أيام قليلة، وبعد أن يرتب شنطة العودة من السفر، يقول لها :»طلقتك ثلاثا»، ثم تعود إلى مكتب خدمات الزواج، وتنتظر زوجا جديدا، وقد تتزوج خمسين مرة في العام، كما روى لي صحفي من تلك البلاد!.
طرح الزملاء عن أهمية تقنين الزواجات العبثية للذواقة لم يرق لمن يمارسونه، في الداخل والخارج، ومعظمهم من الحزبيين، وبالتالي فإنهم قرروا أن يكون الرد عليه عمليا، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولذا فقد فاجأتنا الأخبار بالإعلان المكثف عن زواج أحدهم بزوجة أخرى، وكان هناك، على غير العادة، ترويج غريب لهذا الزواج، وتشجيع على الاقتداء بصاحبه، ولو لم يتم الإعلان عن هذا الزواج في وسائل التواصل، وتكثيف ذلك، وبالصوت والصورة، لما تطرقنا له، لأنه شأن خاص. هذا، ولكن بما أن الأمر طرح في الإعلام، فهو شأن عام، يحق لنا مناقشة أسبابه، وتداعياته، والقول إنه رد عملي من الحزبيين على الذين طرحوا موضوع «تقنين الزواج»، وذلك من باب المناكفة الحزبية، والتي هي جزء أصيل من صراع التيارات، ومع أننا لا نعترض على حرية أحد، فإننا نتمنى ألا تكون قضايا كبيرة، مثل الزواج، جزءا من الصراع الفكري بين التيارات، مع تمنياتنا لكل المتزوجين هذا الصيف بالرفاة، ونقول لكل عريس: «منك المال ومنها العيال»، وربما في بعض الحالات، وعندما تكون موظفة، نقول: «منها المال ومنها العيال»!.