د. جاسر الحربش
يا بلادي قرِّري أين تريدين وضع نسائك بين نساء العالم. لست من المؤيدين، بل معارض لما يدعى حرية الجسد التي تكتسح العالم، لأنّها في نظري غريزية جامحة دون سند أخلاقي أو مفهوم ناقص في الحريات. لكنني انزعجت لمشاهدة العداءة السعودية في سباق الأربعمائة متر في الدورة الأولمبية، وهي تجاهد ضد شروط بزتها أو بدلتها الرياضية، لتصل متأخرة عن آخر متسابقة بفارق كبير. لم أفرح لتعاطف الجمهور معها ولا باستمرار التصفيق لأطول مما صُفق للفائزة الأولى، فقط لأن ابنتنا جسدت أمامهم صبر المرأة السعودية وتقبلها لأي قالب توضع فيه لتقترب حقوقياً من نساء العالم. العالم هنا ليس المقصود به العالم الغربي فقط الذي نتهمه بالخلاعة والإباحية. المقصود العالم كله، الأول والثاني والثالث والعاشر على مقياس ريختر للحقوق النسائية. متسابقتنا بدت غريبة في المشهد كله، والكلام عن بدلتها الرياضية سوف يأتي في السياق.
تمنيت بعد ماراثون الكفاح المتوج بالوصول المتأخر أن بلادي لم ولن تشارك في المسابقات العالمية النسائية إلى أن تعرف هذه البلاد ما تريده للمرأة السعودية وتحزم الأمر. بعقلية هل ترضاها لأختك أو ابنتك والرضوخ لمتطلباتها وإيحاءاتها يستحسن أن تبقى المرأة السعودية بعيداً عن المسابقات الرياضية بالذات. المسألة فيها لياقة وتدريب ومهارات جسدية وانسجام مع شروط المسابقات بمواصفاتها العالمية. هذه شروط لم توفرها هذه البلاد لنسائها في الداخل، فكيف تغامر وتسابق بنسائها في الخارج لتخرج بالنتائج والتعليقات المتوقعة. المفترض أولاً أن تصل هذه البلاد إلى عقلية: أيها المواطن أنت حر، إن أردت المشاهدة والمشاركة مع العالم شارك وشاهد بشروط العالم، وإن كنت ترفض فلك كامل الحرية في عدم المشاهدة والمشاركة، ولكن لا تقرر للآخرين ما لا ترضاه أنت لأهل بيتك.
مشاركاتنا النسائية في مسابقات العالم الرياضية تشبه مشاركة المصاب بشلل نصفي، فقط من أجل أن يقال نحن لا نمنع نساءنا من المشاركات الرياضية لكن بشروطنا نحن وخصوصياتنا نحن، بلباس معيق لحرية الحركة وبلياقة متدنية وتدريب متروك لاجتهاد المتسابقة نفسها، وعليها أن تتحمل مسؤولية تمثيلنا وتمثيل بلدها ورفع رأسه بين الأمم.
إنني هنا لا أحبذ ولا أثبط. كل ما أريده فقط هو أن نحترم نساءنا من وضعهن في مواقف استحقاق الشفقة بالمكشوف أمام العالم. على هذه البلاد ألا تحتال، لتجامل بعض الداخل وترضي بعض الخارج. عليها أن تحزم أمرها وتقرر ما تريد، فإما مشاركة العالم في كافة مضاميره وسباقاته الرياضية وغير الرياضية، أو أن تعتذر وتجنبنا تحمل ما لا طاقة لنا به.
أما بخصوص البزة أو البدلة الرياضية التي ركضت بها عداءتنا أمام العالم فقد كانت من عجائب المكان والزمان. النشاز امتد من الألوان والقيافة إلى المساهمة في إعاقة الحركة وكتم حرارة الجسم أثناء الركض، مما يسبب الحاجة إلى المزيد من التنفس للحصول على الأكسجين وسرعة الشعور بالإجهاد والضيق. ظهرت في مسابقة الرقص على الثلج متسابقة من دولة الإمارات الشقيقة بلباس خفيف ولكنه ساتر، رغم أن حرارة الجسم على الجليد تختلف عن الجري على المضمار. نعم يجب أن يكون لباس المتسابقات ساترا لما يجب ستره، بشرط ألا يزيد العبء ولا يعيق الحركة ولا يظهر لابسته وكأنها هبطت على الحلبة من عالم آخر لا علاقة له بالأرض. الاجتهاد في الوصول إلى الزي المناسب وإقناع من يقتنع من العالم الإسلامي باختياره كزي موحد أمام العالم مسألة يجب النظر فيها قبل الزج بالمرأة السعودية في مواقف تستثير الشفقة عليها وعلينا من متفرجين يمثلون كل دول العالم. الخيار الآخر هو ترك المنافسات العالمية لأهلها ومحاولة تنظيم منافسات رياضية للدول الإسلامية فقط، وباب تأتيك منه ريح سده لتستريح.