«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
حان موعد العشاء؛ واجتمعت الأسرة كالعادة لتناول الطعام، لكن الابن المراهق لم يكن موجودًا، وكان طبق العشاء الرئيس كبسة بالدجاج المحشو بالمكسرات والبيض، فالتفت الأب لزوجته قائلاً «ألم تخبريه بأن العشاء الليلة دجاج محشو (الطبق الذي يحبه)؟». فردت «لا تخاف عليه، لقد اتصل بالسائق ليحمل عشاءه وعشاء من معه إلى الاستراحة؛ لذلك زدنا كم دجاجة». فقال الأب «والله زمن يا أم خالد، الساعة الآن العاشرة ليلاً وابننا العزيز خارج البيت..؟!». فعلقت زوجته «هذا زمن غير. هو وأمثاله باتت لهم استراحاتهم ومجالسهم الخاصة. ألم نبنِ له مجلسًا خاصًّا في حديقة البيت، كلفنا الكثير من أجل أن يلتقي أبناء عمومته ومعارفه وزملاءه، ويكون بالقرب منا.. لكنه شارك مع (شلته) في استئجار استراحة، قاموا بتأثيثها وتجهيزها، وعرض عليّ صورها بعد ذلك.. بصراحة، الاستراحة لا بأس بها!». فقاطعها الأب قائلاً «هل أخبرك بأن هذه الاستراحة تعرضت للسرقة أكثر من مرة، حتى أنني نصحته بأن يقوموا بتركيب كاميرات مراقبة.. وهذا ما فعلوه.. لكن الكاميرا سُرقت أيضًا. استراحة بين غابات النخيل.. ماذا تتوقعين أن يكون مصيرها؟». وأضاف «لكنهم في الأخير تعاونوا مع أحد عمال مزرعة مجاورة أن يكون حارسًا لاستراحتهم، وبدوام مسائي، ومن يوم عمله واستراحتهم لم تتعرض للسرقة، لكن زادت مصاريف هذه الاستراحة». عندها قال شقيق الزوجة الذي كان يشاركهم العشاء «ليس ابنكم الوحيد الذي يشارك في استراحة بعيدًا عن البيت. صدقوني، اثنان من أبنائي كلاهما مشترك في استراحة، وكل واحد منهما له شلته وأصحابه. وعندما سألت واحد منهما لماذا لا يشترك مع شقيقه في الاستراحة نفسها أجابني بأن شلته ما تصلح لي. بعضهم ثقلاء دم؟!». ثم استطرد وهو يزدرد لُقمته: «الاستراحات الشبابية باتت ظاهرة وطنية إذا جاز التعبير. كل المدن والقرى وربما حتى الهجر باتت تعيش هذه الظاهرة، حتى أن مشاريع الاستراحات صارت تشكِّل موردًا اقتصاديًّا لأصحابها في غياب الأماكن المناسبة لاستقطاب الشباب. وتظل قضية فراغ الشباب بدءًا من فترة المراهقة قضية مهمة وملحة. يا ليت المعنيين يضعون لها البرامج والحلول الكفيلة التي توظف أوقات الشباب وفراغهم أيام الصيف. وبيني وبينكم، الأندية الرياضية مقصّرة جدًّا تجاه شبابنا؛ فتركيزهم واهتمامهم بنشاطات رياضية محدودة، حرمت شبابنا وأولادنا من الاستفادة من مباني ومرافق الأندية الضخمة». وستطرد قائلاً: لو كانت أنديتنا أحسنت ذلك لخرّجت لنا أجيالاً من الموهوبين في مختلف المجالات.. في السباحة وكرة السلة والجري. وأنا كمواطن شعرت بالإحباط لعدم تحقيق وفدنا لأولمبياد ريو نتائج. لقد رجعنا كما يقول المثل بخفي حنين؟! لو أن أنديتنا ومؤسساتنا الرياضية اهتمت اهتمامًا كبيرًا بالرياضات الفردية لحققنا العديد من الميداليات. فشباب الوطن مثل غيره من شباب وفتيان الدول التي شاركت وحققت ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية..؟!». فتطلع إليه الأب قائلاً: «لولا يدي فيها لقمة لصفقت لك تحية وتقديرًا. لقد قلتَ - سبحان الله - ما كان يدور في ذهني. لو أننا أحسنا استغلال ما لدينا من مرافق وإمكانات رياضية لا تتوافر لدى العديد من الدول التي حققت انتصارات وميداليات في هذا الأولمبياد العظيم؟!». ثم قال «أتمنى لو أن مؤسساتنا وأنديتنا الرياضية ومدارسنا وجامعاتنا وكلياتنا تبدأ من العام الدراسي القادم تغيير استراتيجيتها في الكيفية المثلى لاستغلال قدرات وطاقات أبناء الوطن من كلا الجنسين. وأنا واثق بل متفائل بأننا سوف نحقق نجاحات رياضية عندما نهتم مبكرًا بتوظيف فراغ شبابنا وأولادنا في أيام الصيف وغير الصيف. لدينا طاقات باتت مهدرة، ضاعت أوقاتها داخل الاستراحات..؟!».