محمد البكر
لا لوم على المشجع البسيط إن عتب على مسئولي الرياضة السعودية، بعد النتائج السلبية التي ظهرنا عليها في أولمبياد ريودي جانيرو في البرازيل، والسبب أنه لا يعلم ما يتطلّبه صُنع بطل أولمبي من جهد ومال ووقت، لكنني لا أعفي من يعتبرون أنفسهم خبراء ومحللين وناقدين، عندما ينقدون ويهاجمون ويلطمون بعد كل إخفاق أولمبي، والسبب أنهم إما جهلة بمتطلبات صُنع البطل الأولمبي، أو لأنهم يعزفون على أوتار البسطاء من متابعي الرياضة السعودية.
ليس هناك أبسط من النقد، ولا أسهل من توزيع اللوم على رؤساء الاتحادات والمدربين والإداريين واللاعبين، ولا أيسر من البحث عن دراسات وتقارير وحقائق عن كيفية الوصول للمنافسات الأولمبية.
وإذا كان بعض إعلاميينا يتجاهلون ذلك عن جهل أو عمد، فإن المصيبة هو أن هناك عدداً من أعضاء مجلس الشورى ينتقدون ويزايدون على كسب ود الجماهير من خلال نقد الجهات المختصة في هيئة الرياضة والاتحادات واللجنة الأولمبية السعودية. أقول مصيبة لأننا نتوقع من هؤلاء الأعضاء، أن يدعموا الخطط الإستراتيجية وتطوير البنية التحتية من المدارس حتى الجامعات، مروراً بالأندية الرياضية والمراكز المناطقية وتفريغ اللاعبين الموهوبين من المراحل الابتدائية.
باختصار أقول بأن الخطط الإستراتيجية لصنع البطل الأولمبي، هي خطط دولة وليست خطط جهة لا حول لها ولا قوة. فالمدارس تفتقر للبنية التحتية من ملاعب وقاعات ومسابح، كما تفتقر لوجود المدربين المتخصصين، وتعاني من ضيق الوقت المخصص للرياضة. مما يعني أن القاعدة التي يمكن البناء عليها غير موجودة من أساسها. ومن ثم فإن البناء عليها لا قيمة له.
لقد أعجبني اللاعب مخلد العتيبي وهو يتحدث بحسرة عن هذه النقطة الهامة. نقطة « مشروع الدولة». وفي نفس الوقت أغضبني من طالب بإقالة الأمير نواف بن محمد من رئاسة اتحاد ألعاب القوى، رغم معرفتهم التامة بأن الأمير نواف هو كمن ينقش على الحجر دون أن توفر له أبسط أدوات النقش.
دعوني أطرح سؤالين بسيطين عليكم جميعاً معشر الجماهير وأعضاء مجلس الشورى والإعلاميين السعوديين وهما ... « هل نحن جادون فعلاً في رغبتنا تحقيق ميدالية ذهبية !؟ والسؤال الآخر .. هل لدينا الاستعداد لتخصيص 5 أو 6 ملايين ريال ولمدة خمس سنوات لتجهيز شاب سعودي واحد يمكنه المنافسة في الأولمبيات القادمة ؟ الإجابة المتوقعة هي أن لا رؤية لدينا ولا خطة ولا حتى رغبة في الحديث عن ذلك في القريب العاجل أو البعيد الآجل. ناهيك عن أن لا هيئة الرياضة ولا اتحادات الألعاب ولا الأندية يملكون مثل هذه المبالغ لتخصيصها لإعداد بطل أولمبي واحد. إذن لماذا يطنطن البعض وتتفتح شهية بعض أعضاء مجلس الشورى للنقد والسخرية والعتب!!؟ لقد كنا ضيوفاً مشاركين في معظم الدورات الأولمبية، ولن يتغير حال مشاركاتنا في السنوات القادمة، لأننا لا نملك الجرأة للمطالبة ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، وأخيراً لأنّ هناك من لا يريد أن يسمع أو يرى.
لقد كتبت من قبل عطفاً على كتابات لي قبل عشرين سنة، بأنه ما لم تتغير استراتيجيات الهيئة العامة للرياضة حول هذه الألعاب فلن تتغير النتائج في تلك المنافسات. وأهم هذه الخطط، إلغاء إشراف الأندية على الألعاب الفردية كالجودو والكاراتيه والسباحة والتنس والرماية وغيرها من الألعاب غير الجماعية، واستبدالها بتأسيس مراكز في كل منطقة، وبدلاً من جيش من المدربين عديمي الخبرة والإنجازات، ومثلهم من المساعدين وإخصائيي العلاج الطبيعي لكل لعبة موزعين على أنديتنا، نستطيع توفير مقابلهم عشرين مدرباً عالمياً متخصصاً في كل لعبة من تلك الألعاب، ممن لهم باع طويل في هذا المجال، ونتائج طيبة في المنافسات العالمية، بحيث يتم توزيعهم على تلك المراكز المنتشرة في كل منطقة من المملكة.
العناصر المطلوبة لتحقيق ميدالية أولمبية، هي عناصر معروفة، لعل أهمها البنية التحتية وتفريغ المواهب منذ الصغر، مع رصد للميزانيات المعقولة والمدربين العالميين المتخصصين. ومتى توفرت تلك العناصر، فإن الدخول في المنافسات سيكون أمراً ممكناً، وإذا لم تتوفر، وهذا هو المتوقع، فإن اللوم يجب أن يقع على الجهات التشريعية، التي تريد بطلاً بلا إمكانات ومشاركة بلا منافسة ونقداً بلا تصحيح .. ولكم تحياتي.