رقية سليمان الهويريني
قبل أكثر من عقدين من الزمان، تعرّض أحد الأساتذة في إحدى الجامعات السعودية للمضايقة بسبب أنه حليق بدون لحية، واكتشف زملاؤه أنه يدخن فوشوا به، ولم يُنظر لمدى جهوده مع طلبته وأبحاثه العلمية. ولعلها حقبة زمنية انتهت، فصارت الجامعة ذاتها تستقطب الأساتذة الأكفاء بغضِّ النظر عن هيئاتهم!
وخلال هذا الشهر حققت وزارة العدل مع أحد موظفيها لعدم ارتدائه الشماغ في عمله، لاسيما أنّ الحكومة قد نبهت لضرورة ارتداء الزي الوطني في مقر العمل.
العجيب أننا لم نسمع قط عن إجراء تحقيق مع موظف أو كاتب عدل أو قاضٍ لا يحضر لعمله إلاّ متأخراً! برغم أنّ الكثير يتحدثون عن تقاعس بعض كتّاب العدل وموظفيها في أداء عملهم وتعطيل مصالح الناس، ومن تأخر القاضي أو عدم حضوره فلا يكاد يحضر بعضهم قبل العاشرة صباحاً وينصرف مع أذان الظهر، أو يعود بعد أن ينعم باستراحة أكثر من ساعة بعد الصلاة، ويتخلل وقت دوامه شرب القهوة وتناول الإفطار! والجميع يشكون من هذه الظاهرة التي ابتليت بها وزارة العدل حتى صار من المألوف أن يتعاطف الناس مع شخص له معاملة في هذه الوزارة، فضلاً عن التساهل مع الخصوم في حالة إخلالهم بالمثول للعدالة وعدم البت في القضايا غيابياً.
إنّ التحقيق مع الموظفين بمن فيهم القضاة حين إخلالهم بالواجبات الوظيفية، مثل إغلاق المحكمة قبل انتهاء الدوام أو الحضور متأخراً وتعطيل مصالح الناس، أهم بكثير من التحقيق لعدم ارتداء الشماغ أو الغترة، برغم أنه لا يكفي متابعة الموظفين بالحضور والانصراف فحسب، بل رصد مقدار الإنجاز خلال فترة العمل، ومحاسبة المقصر، فلا قيمة لحضور الموظف في ظل تقاعسه وتكاسله عن أداء واجبه الوظيفي كما طلب منه.
وليت الحكومة تتجاوز عن ارتداء الشماغ، فانشغال الموظف به، وانهماكه بتثبيته بطاقية من تحته وعقال من فوقه، قد يشتت فكره ويعكر مزاجه ويرفع درجة الحرارة، فالقطاع الخاص تخلّى عن هذا الأمر ليطلق لموظفيه العنان بالإبداع وإحداث التغيير، وما ذكرته لا يقتصر على من ينتسب إلى وزارة العدل، وإنما هو ينطبق على جميع موظفي الدولة في جميع وزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها.