لعلّه من الصعوبة أن نحدّد مفهوماً للصورة لما لها من تشعّب دلالة يسميها بالاضطراب والتقيد الأمر الذي جعل د. عز الدين إسماعيل يُنّحي كلمة (صورة) ويستبدلها بكلمة (توقيعة) التي عرّفها بأنها: «الوحدة الحيوية في الشعر لا تقبل الاختصار» وقد وجدت هذه الكلمة رواجاً بين نقاد العرب المحدثين فوجد فيها د.أحمد بسام ساعي أوضح لقاء بين الصورة والموسيقا، إذ تتلاحم العناصر المكانية في الصورة من مرئيات أو مجردات بالعناصر الزمانية فيها الصوتيات لتؤلف من هذا التلاحم الصورة الفنية وقد ذهب النقاد في تحديد الصورة الفنية مذاهب شّتى فذهب د.جابر عصفور إلى القول بأفضلية مصطلح الصورة الفنية معلّلاً ذلك التفضيل بكون مصطلح الصورة لا يختص بالشعر وحده، بل يتعداه إلى المسرحية والرواية.
في حين ضمّن د. وحيد كبابة الصورة الفنية كل الأنواع الأدبية مضافاً إليها الحالة الوجدانية للشاعر متمثلة بالانفعال العاطفيّ، وقد ذهب الأمر إلى حد النظر إلى الاستعارة على أنها هي التي تتجسّد فيها جمالية التصوير وعليه فإن الصورة الفنية هي الاستعارة وحدها، وهذا ما أكدته سيرجين بقولها: «إننا نستخدم مصطلح الصورة باعتبارها الكلمة الوحيدة لتشمل كل أنواع الاستعارة التي هي في الحقيقة تشبيه مُركّز».
فالصورة وفق هذا الفهم تمثل محتوى لفكر يتركز فيه الانتباه على خاصية حسية نوعاً ما، وقد شمل باوند الصورة بالعاطفة فرأى فيها (عقدة فكرية وعاطفية في برهة من الزمن، وهي توحيد لأفكار متباعدة) وهي لدى باسترناك جواز سفر للشاعر يستطيع من خلالها الوصول إلى الآخر.
ومع ظهور التيار الواقعي فقد أصبح مجال الصورة الفنية هو النطاق الخارجي فلم يقروا إلّا (بالصورة المجسمة) وقد فرضوا على الشعراء أن تكون موضوعات قصائدهم خارج حدود ذواتهم، وفي الجماعات الأدبية التي تأثرت بتلك المذاهب الأدبية نرى أن مفهوم الصورة الفنية بقي رهين تلك التحديدات فقد دعت جماعة الديوان إلى تخطي الوصف الحسي إلى الوجداني، فهم يرون أن الشاعر يتجاوز حرفية الأشياء ودلالتها ليعيد بقوة مخيلته وبراعة صنعها وتشكيلها في واقع جمالي جديد. لقد تعددت اتجاهات تحديد مفهوم مصطلح الصورة مثلما تعددت الآراء في وضع تعريف شامل كاف لها وفق النظرة للشعر نفسه.
ولذلك فإن تحديد مفهوم الصورة الفنية قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بفهم وظيفة الشعر وجماليات فنيّته.
- طامي دغيليب