د.ثريا العريض
مرة أخرى تبدأ الاستعدادات لمشاركة المملكة بأعلى مستوى في اجتماعات مجموعة العشرين, وزيارات مهمة للصين واليابان, بعد زيارات الولايات المتحدة والدول الأوروبية, وزيارات لدور الجوار في مصر وتركيا. ونحن نشارك وفي خلفية الحوارات ما يجري في المنطقة (الشرق أوسطية) كلها.
وهي خلفية تثير التوجس إن لم يكن الاستنفار لمواجهة التطورات المرعبة. وليس في التوصيف مبالغة، ولا يمنع التفاؤل بالجهود القائمة لمواجهة التحديات المربكة بتداخلها.
السنوات الأخيرة أدخلت المنطقة كلها في دوامات من الفوضى والضبابية بصورة جارحة ومدمرة حضاريًّا واقتصاديًّا. وأي محاولة لفهم ما يجري تبدو كمحاولة بناء لوحة من آلاف القطع المتشابكة، لا يمكن تحويلها إلى لوحة متضحة المعالم؛ لأن كثيرًا من القطع غير متوافرة، أو أُخفيت عمدًا.
نستطيع أن نعود في محاولة تجميع القطع إلى ما قبل القرن الماضي, ونضال القوميات في آسيا أو منتصفه مع الحرب العالمية, وصراعات أوروبا والخلافة العثمانية, أو نكتفي بالبحث في مرحلة الثورة الخمينية, وتعاملنا مع جهيمان والقاعدة، وأخيرًا داعش. تظل الصورة تجميع ناقص، وتكهنات تلونها مرئيات الباحث وميوله لرسم صورة تتفق مع آرائه المسبقة.
كيف نفسر ما نرى؟؟ والصورة بكل تفاصيلها هلامية، لا يمكن الإمساك بأطرافها لتثبيتها وتفحصها؟ هل نركز على النظريات التي تحمِّل الاستعمار وزر كل ما حدث ويحدث, أم نحمِّل أهل المنطقة وزر قصر النظر والتقاتل الذي انتهي بجراح لم تندمل؟
من نلوم على مسلسل الدمار الذي يعم المنطقة بصورة وباء سريع بالكاد تستطيع التصدي له؟
بلا شك التحديات الاقتصادية والفوضى والدمار في الجوار تجعل من الصعب التركيز على بناء الداخل, في صخب صراعات الخارج وتقلبات العلاقات الإقليمية والدولية وضبابية الأوضاع في تسارع الأحداث تزيد من صعوبة تسيير السفينة.
كيف نتفاعل مع تساقط الأنظمة وفقدان الاستقرار في الجوار مثل تساقط قطع الدومينو في سنوات معدودة، حتى أصبحنا ننام ونصحو على أخبار ما تم تدميره, واستحالت مدن عريقة إلى ركام؟
كيف نتفاعل مع تغير العلاقة بين الغرب وإيران المتمادية في حلم استعادة الإمبراطورية؟ كيف نتفاعل مع مفاجآت التحرك الروسي وبناء تحالف مع إيران وتركيا؟ ساحته بعد سوريا ستمتد إلى اليمن؟
ولكن الحياة تستمر، ولا بد أن نبقى ممسكين بزمام التفاعل بتيقظ ومهارة كالربان الماهر في خضم عاصفة تتلاعب بسفينته؛ كي يصل بها وبمن تحملهم إلى بر الأمان.
ربما أهم ما يجعل تحدياتنا في علو موجات التسونامي أننا تلكأنا في تعديل وجهة الانحراف، وخضعنا للانجراف حين قادنا الخليط المربك من الطفرة والصحوة وتصادم الأعراف القبائلية مع متطلبات بناء الدول المؤسساتية والمجتمعات المقننة إلى تصاعد أشواك التمسك بالهويات الأصغر, والبحث عن الهوية الماضوية, وتقبُّل فرضيات الغلو والتشدد وصخب الداعين إلى إهمال احتياجات الحاضر والمستقبل للانكفاء إلى استعادة ماض لنعيشه حسب تفضيلات فئة تخدم مصالحها الفئوية الخاصة بانتهازية احترافية.
الحمد لله أننا حافظنا على اللحمة الجامعة ومنجزات توحيد الوطن. والحمد لله أننا استفقنا من الغفوة الاقتصادية والاجتماعية، وبدأنا في ردم الفجوة التي وجدناها تفصلنا عن متطلبات المستقبل. والحمد لله أننا عدنا إلى ابتعاث أبنائنا وبناتنا لطلب العلم الحديث والتخصصات التقنية.
وبعون الله سنتغلب على تحديات إعادة التوازن إلى الاقتصاد، وإعادة السلام إلى الجوار، وإعادة الشعور بمسؤوليات إنجاح التحوُّل كضرورة وطنية.