عبده الأسمري
عادة ما يواجه التغيير في أمر هجوما مضادا عندما يكون ذلك التغيير فوق مجال الفكر وأعلى من مستوى التفكير.. منذ زمن ونحن أمام موجة من الاحتساب المفتعل الغير منظم، الخارج عن إطار الموضوعية وتعاليم الدين الحنيف ومفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصحيح الذي بات موجة عداء تتربص بأي مناسبة أو مهرجان أو فعالية في وطننا الحبيب حيث دأب ثلة من الأولين إلى دفع بعض المتحمسين للركض في أي مساحة من مساحات التطرف التي تعد بلا شك مجالا خصبا لمجالات احتسابات أخرى. لست ضد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقته المنصوص عليها شرعا ووفق الحالة، فما نراه في معارض الكتاب وفي المناسبات المختلفة من احتساب عشوائي مبني على ارتياب خاطئ حالة من حالات الدراما المتطرفة المعقدة التي شوهت المنظر الجميل للإبداع ونثرت سواد نواياها حتى وإن كانت مؤقتة لتشوه الجانب الأبيض للحياة.
أستعير عنوان كتاب أستاذي الكبير الوزير الأديب الكبير غازي القصيبي رحمه الله الذي ألفه في التسعينات عندما ضاق ذرعا بمهارات وجدال الصحويين آنذاك واستغلال الأشرطة والمنابر للطعن في ذمم قامة بحجم «دولة» ولأنه أديب عاش مؤدبا ورحل متأدبا رد عليهم بهذا الكتاب ليكون رسالة ألجمت الكثير في وقت عانى فيه القصيبي من احتساب ضده كشخص وأمام إنتاجه وحول كل ما يخص اسمه رغم أنه كان أول من وجه بتوزيع الآيات القرآنية في المستشفيات والمصاحف المطهرة في المستشفيات وما يوجد في صحيفته أمر بينه وبين خالقه وهو من خدم الدين والوطن طيلة حياته ولكن الاحتساب كانت له كلمته وطريقته فبعد انحصار المنابر وإلغاء ثورة «الكاسيتات» المجانية المسجلة في شقق الفتن ابتدع المحتسبون أو من يقفون خلفهم الطرق الجديدة والمنحنيات المعقدة في حصار الأدب وفي مصادرة الفرح وفي تفريغ شحنات أنفسهم المريضة لتنثر إيحاءات الظلال أمام الآخرين.
لن تنتهي هذه الموجه البائسة التي تستغل اسم الدين وتصر على أن تسجل موقفها اللاإنساني في أروقة الفرح وبين مناسبات الفكر أو الإبداع. وبتحليل سيكولوجي سريع فإن هؤلاء الأشخاص يعانون من عقد نفسية مزمنة ولديهم صراع داخلي في أجهزتهم النفسية يفرغونه من خلال حيل دفاعية تشخص حالهم وتكشف مآلهم وهم بلاشك كائنات ترفض الرأي الآخر وتقدس آراءها الثابتة المتجمدة المعلبة في عقولهم المغلقة أمام أي حضارة أو تطوير وهم أشخاص يعانون من خلل كبير في روح التسامح والتصافح والتصالح مع الآخرين مما يجعلهم في «عزلة اجتماعية ونفسية» جعلتهم يثبتون في نقطة التشدد والتطرف والتجمد الأمر الذي يدفعم إلى الاحتساب المغلف بالكراهية المشبع بالنزاع الممتلئ بالنوايا السيئة.
نحن أمام «عدو» حتى وإن قلت حيلته وقصر إيذاؤه وتلاشت قواه إلا أنه يجب أن يضع له حدا حتى لا يبحث عن إعادة حسابات جديدة وإعادة الكر والفر خصوصا مع ارتفاع مستوى الوعي وازدياد مساحة التحضر. أرى أنه يجب على وزارات الشؤون الإسلامية والداخلية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والهيئة العامة للسياحة وإمارات المناطق ووزارة الثقافة والإعلام أن تشكل فرق عمل ولجان لإيجاد عقوبات وقرارات صارمة ضد مدعي الاحتساب غير الحقيقيين ومعاقبة كل من يتورط في الاحتساب الفردي منهم وممارسة هذا السلوك الذي يسيء للإسلام وسماحته وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويشوه الحياة ويدمر سواء البشرية.