إبراهيم عبدالله العمار
من يلتفت للوراء وينظر إلى مشاهير الأدب فسيظن أن حياتهم مشت على نفس المسار: تبزغ موهبة الشخص، ينتج النثر والشعر، ينتبه الناس له، يتلقون أدبه، يعجبون به، يشتهر الأديب وينال الثناء والثراء. لكن ليس هذا ما يحدث دائماً. تأثير الحظ شيء لا يمكن الاستهانة به، ولا دليل أوضح مما حصل لأشهر أديب غربي، ويليام شيكسبير.
شيكسبير أعظم أدباء العالم الغربي والإنجليزي خصوصاً. تأثيره على الحضارة والثقافة الغربية هائل، ومن يريد أن يتعلم ولو قليلاً من الشعر أو النثر الإنجليزي فلا يمكن أن يفعل هذا إلاّ إذا قرأ وحفظ وناقش مسرحيات وأشعار شيكسبير، وأعماله مثل روميو وجوليت صنعت فئات من الأدب لم يكن يُلقى لها بال مثل الرومانسية، وأما عظماء الرواية مثل تشارلز ديكنز وهيرمان ميلفل فهم يدينون بالفضل لشيكسبير أيضاً، والذي أتقن تصميم وتطوير الشخصيات في أعماله. ليس هذا فحسب بل إنّ اللغة الإنجليزية نفسها تأثرت بشيكسبير، ففي عصره لم تكن قواعد اللغة موحّدة كما هي اليوم بل فيها الكثير من التباين والاضطراب، وإقبال الناس على أدب شيكسبير جعلهم يفضّلون أسلوبه وكلماته ومقولاته على غيرها فكانت هي التي دامت، وأول معجم لغوي إنجليزي ظهر في عام 1755م (بعد زمن شيكسبير بقرن ونصف) كان يستشهد بكلام شيكسبير عند تعريف الكلمات أكثر من أي أديب آخر. يا له من تأثير عظيم! لكن لا يعرف الكثير من الناس أن هذا كله لم يكد يحصل.. بل لم يكد الناس يعرفون من هو شيكسبير أصلاً لولا رجلان وهما ممثلان اسمهما جون وهنري، فبعد وفاة شيكسبير عام 1616م أخذا على عاتقيهما أن يوصلا أدبه للناس، وهنا الأمر العجيب، فعلى عظمة أعماله الفنية إلا أنها لم تلق تقديراً أو رواجاً في زمنه، بل لما كان شيكسبير حياً لم يكن هناك ما يميّزه عن أي شخص آخر، ومات كما يموت أي شخص، غير أنّ هذين الرجلين (اللذين كانا صديقين له ومثّلا بعض أعماله) لم يرضيا أن يندثر أدبه هكذا، وقررا أن ينشرا كل أعماله الدرامية ليُحييا ذكراه، ولم يكن هذا سهلاً وقتها كما هو النشر اليوم، فبحثا عن نسخ ومخطوطات قديمة ضائعة وحاولا إيجاد صفحاتها المفقودة أحياناً، وتعاونا مع بعض الأدباء لتنقيح بعض أعماله، وكان هذا كله شديد المشقة، حتى أنه أخذ منهم سبع سنين من العمل الدؤوب المنهك، وأخيراً قاما بنشر أعمال شيكسبير في كتابٍ واحد، وكان هذا هو المجلد الذي نشر أدب شيكسبير وجعل العالم الغربي يتعرف عليه ويقبل عليه ويعظّم أدبه، ولولا هذا لكان شيكسبير مجرد اسمٍ لا يعرفه إلا القليل.